رواية عودة الضحية

كانت أروى جالسة بحديقة منزلها تتناول الفطور بمفردها، وبعد ان انتهت من الفطور فتحت الصحيفة لتقرأ اخر الاخبار ولفت انتباهها اعلانا عن افتتاح مكتب خاص للتحقيقات يعمل به ضابط شرطة متقاعد، اخذت تفكر قليلا هل يجب عليها استشارته بذلك الامر؟ وبعد تردد قررت بالنهاية الذهاب إليه.

في صباح يوم الاحد كان المحقق الخاص ادهم يجلس بمكتبه الصغير يشرب فنجانا من القهوة اثناء قراءة الجرائد، كان ادهم رجلا في بداية الخمسينات من عمره قصير القامة وبدين يرتدى نظارة وخلفها عيونه السوداء الضيقة وله شارب طويل.

جاءت إليه عميلة جديدة إلى المكتب تطلب منه التحقيق في امرا خاص، كانت فتاة تبدو في منتصف العشرينات، طويلة القامة وترتدى نظارة شمسيه وقبعة سوداء يتدلى منها شعرها وكان اسود قصير وبشرتها خمرية؛ جلست بالمقعد امام المكتب وبدأت تحكى له الامر.

- في البداية لن اذكر لك اسمى.

- لا بأس بذلك؛ سألقبك بأنسة اكس.

- انسة اكس، هذا جيد؛ في الحقيقة حبيبي السابق توفى منذ عام في حادث او هذا ما ظننته، اقصد انه تم ايجاد سيارته في النهر ولم يكن بداخلها ومرت اشهر دون ايجاد جثته فظننت انها قطعت عن طريق الاسماك، وقد تمت خطبتي منذ شهر وجاءني بعد الخطبة بيوم باقة ورد ورسالة مكتوبا عليها: "هل نسيتِ حبى بتلك السرعة؟"، وقد استلم حارس منزلنا الباقة دون معرفة أي محل للزهور، وفي الحقيقة خفت كثيرا هل مازال حي؟ ولماذا لم يتواصل معي طوال هذه المدة؟ او ربما.. ربما...

- ربما ماذا؟

- ربما مقلب من احد أقاربي او أصدقائي لتخريب ذلك الزواج.

- ومن يفعل ذلك؟ ولماذا؟

- في الحقيقة تمت خطبتي على صديقا قديما لي وزميل الجامعة وكانت هناك فتاة صديقتنا ايضا تحبه ولكنه كان معجبا بي، وعندما توفى حبيبي السابق بدأ يتقرب منى حتى تمت خطبتنا؛ هذا كله لا يهم فكل ما اريده منك ان تعرف من الذى يرسل تلك الرسائل؟ هل هو مازال حي؟ ام انها مزحه لمنع هذا الزواج؟ ومن هذا المرسل؟

- نعم اتفهم ذلك، ولكن ماذا تقصدين بكلمة الرسائل هل هناك المزيد؟

- نعم كل اسبوع تأتيني رسالة، وها هم الاربع رسائل.

o "هل نسيتِ حبى بتلك السرعة؟" 

o "اذا كنتِ مازالتِ تحبيني عليك وقف تلك الخطبة."

o "مازالت انتظر يوم لقاءنا من جديد."

o "اذا تم ذلك الزواج سأقتل نفسي وحينها ستظهر جثتي."

- متى سيتم ذلك الزواج؟

- بعد شهرٍ من الان.

- اريد جميع البيانات عن ذلك الشخص.

- هذه الورقة بها بياناته اسمه، سنه، عنوان اقامته، وعمله، كما انه كان يعيش هنا وحيدا فجميع اقاربه يعيشون في احدى القرى البعيدة، وهذه صورته؛ وبالنهاية هذه أرقامي وانا بانتظار مكالمة منك اذا وجدت أي جديد.

- اتفقنا.

رحلت انسة اكس، وبقي ادهم ينظر إليها من النافذة وهى تركب سيارة فاخره وانتقلت على الفور، وقال ادهم وهو ممسك ورقة ببياناته:

- وها هو موضوع بحثا جديد ومثير، يا ترى ما قصتك يا باسم مع تلك المرأة الغامضة؟

وبدأ ادهم يسأل نفسه:

- هل سقوط سيارته بالنهر حادث ام جريمة؟ اذا كان حادث لمَ اختفى مدة عام؟ واذا كانت جريمة اذن ربما يخشى من ذلك القاتل من تكرار محاولته، ولماذا عاد الان؟ وهل هو حقا من يرسل تلك الرسائل ام تلك الفتاة؟

وبعد التفكير قرر ادهم الذهاب إلى عنوان سكنه وعمله وكما هو متوقع متغيب مدة عام، قام ادهم بالخطوة التالية وقال لنفسه:

- اذا كان باسم ترك منزله الذى يملكه وكان مازال حي اذن اين يسكن الان؟ اما شقة ايجار وبهذا سأبحث عن ابرة في كومة قش، واما انه يعيش بأحد النُزل؛ سأبدأ البحث عن بيانات جميع النزل في تلك المنطقة، ومن الجيد انى املك صورة شخصية له.

وقام بتكليف موظفيه السريين بذلك الامر. 

 

عادت اروى إلى المنزل وكان خطيبها ساهر بانتظارها، وكان شابا طويل القامة متملق، في منتصف العشرينات.

- منذ متى وانت هنا؟

- منذ ساعة، اين كنتِ؟

- لقد قابلت محققا خاص طلبت منه ايجاد باسم ذلك الفأر الخفي.

- هل جننتِ ماذا لو انكشف امرنا؟

- لا تقلق لم اخبره باسمي، وليس معه سوى رقم اتصال ليس مسجل باسمي. 

- بماذا اخبرته؟

- انه حبيبي السابق الذى ظننت انه توفى بسبب حادث وانا الان ابحث عنه قبل اتمام زواجي واعطيته رسائل مزيفة عن انه يريد منى فسخ تلك الخطبة.

- وهل صدق هذا المحقق ذلك الكلام؟

- لا تنسى انى استاذه بالتمثيل، اخبرته اذا عثر عليه يبلغني على الفور.

- هذا امرا خطير ولكن اتمنى ان يصل إلى مكانه وعندها سأتخلص منه بيدي هاتين لأتأكد من موته، ماذا كنت افعل اكثر من إطلاقي رصاصة عليه ثم رمى سيارته لأتأكد من موته! 

- ولكن هذا اذا كان هو حقا من يبعث تلك الرسائل.

- نعم انا ابحث في الامر لا تشغلي بالك من تلك النقطة، لم يتبقى سوى صديقتنا الباقية نيفين واظنها بلهاء.

- أنت محق ولكن ما يشغل بالى حقا لمَ انتظر مدة عام حتى يبدأ بإرسال رسائل تهديد؟ وما الذى يمنعه من انتقامه؟

- سنعرف عندما نقابله لنتخلص منه.

 

وبعد مرور اسبوع من تحريات المحقق ادهم السرية، حدث له شيئا اثار ريبته وهو زيارة العميلة نيفين..

في الحادية عشر صباحا دخلت إلى المكتب فتاة متوسطة القامة عيونها واسعه عسلية، بشرتها بيضاء، شعرها مموج بنى، وكان يبدو عليها التوتر.

- هذا مكتب خاص للتحقيقات، أليس كذلك؟

- كيف اخدمك آنستي؟

- اسمى نيفين، واريد ان تبحث لي عن شخصا اختفى منذ عام.

قال ادهم في نفسه: ما بال هؤلاء العملاء، هل كل شخص يختفى منذ عام يجب عليّ البحث عنه؟

ولم يدرك ادهم حينها ان تلك الفتاة كانت تقصد نفس الشخص وقال لها:

- اريد بيانات ذلك الشخص وصورة له.

- هو اختفى قبل اتمام خطبتنا بأسبوع، وتم ايجاد سيارته بالنهر ولم يتم العثور على جثه، وظننت انه توفى، ولكن منذ شهر ظل يرسل إلي رسائل، وتأكدت انه هو من خطه.

واخرجت صورة من حقيبتها واكملت قائلة:

- وهذه صوره له.

كان ادهم يسمع حديثها وفى داخله ألف سؤال حتى نظر إلى تلك الصورة وكان هو الشخص نفسه، واول شيء جاء في ذهنه احدى الفتاتين كاذبه في قصتها، ولكن ما سبب اختفاء ذلك الشخص وعودته بعد عام؟

ثم قال ادهم

- هل معك تلك الرسائل لأقرأ مضمونها؟

- لم احضرها معي، ولكن لا بأس سأحضرها لك في الغد.

- حسنا لا مشكلة.

- في حال وصولك إلى أي جديد، تواصل معي على هذه الارقام.

وكان ادهم في انتظار اليوم التالي ليقارن بين ذلك الخط وخط رسائل الفتاة الاولى ليعرف من الكاذبة من بينهن.

 

وفى مساء ذلك اليوم جاء إلى ادهم تقريرا من احد موظفيه السريين عن حياة باسم، وضع التقرير امامه وطلب فنجانا من القهوة وبعد ذلك بدأ بالقراءة:

نشأ باسم في احدى القرى ولكن سافر إلى المدينة من اجل دراسة الجامعة، وخلال سنوات الدراسة تعرف على اصدقاءه وهم اروى وساهر ونيفين ومنال وسعيد، وكانوا اولئك الستة منظمين رحلات بالجامعة ولكن سعيد توفى اثناء الدراسة في حادث سير من سيارة مجهولة وكانت تلك اول الاحزان بينهم، وبعد التخرج بقي الاصدقاء على تواصل وكان كل شيء جيد حتى تم تنظيم احدى الرحلات للغوص تحت الماء بينهم، وفى تلك الرحلة تم العثور على جثة منال وكان الامر حادث يبدو انها اصابت رأسها وتم الاغماء عليها اثناء الغوص ولم تستنشق الاكسجين وماتت، وتلك كانت ثاني الاحزان وبعد مرور عام تم العثور على سيارة باسم بالنهر دون العثور على الجثة وتلك الاخيرة، وبعد تلك الحادثة لم يبقيا الاصدقاء الثلاثة على تواصل، وحسب البيانات الخاصة بهم بشئون الطلبة بالجامعة تم ايجاد عناوين اروى وساهر ونيفين.

وبالنهاية ملاحظة: 

تم خطبة اروى وساهر منذ خمسة اسابيع تقريبا؛ وكان مرفق مع الخطاب عناوين الاصدقاء الخمسة. 

 

انهى ادهم قراءة التقرير وقال إلى نفسه:

- هذا الخطاب يشرح الكثير من الالغاز التي كانت تدور في ذهني، اذن اروى هي الفتاة الاولى وخاطبها هو ساهر، وهى كاذبه هو لم يكن حبيبها السابق، كما يبدو انهم يريدون التخلص من باسم، وهم مَن خططوا للتخلص منه ولكن لماذا؟ 

كما ان الفتاة الثانية هي نيفين؛ يا لها من مصادفة من ان تطلبا الفتاتين التحقيق من نفس الشخص يبدو ان الاعلان بالجرائد أفادني كثيرا، وانا منتظر ان ارى تلك الرسائل لأقارنها بخط رسائل اروى واذا كانت الخطوط مختلفة اذن استنتاجي سيكون صحيحا.

 

عندما عادت نيفين إلى المبنى الذى تسكن به وجدت سيارة فاخرة بانتظارها

وقال السائق

- انا السائق الخاص بصديقتك اروى وقد طلبت منى ان اوصلكِ إليها اذا كان وقتك يسمح.

- يا إلهى اروى، بالتأكيد وقتي يسمح؛ وقالت نيفين في نفسها جيد انها مازالت تتذكرني. 

بقلم: أمنية نبيل

رواية عودة الضحية (الفصل الثاني)

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author