شغفٌ

كان الليل حليف النهار، فقد  كان الليل قصيرٌ جداً، لم أُكمل ذلك الحُلم الذي يحمل في طياتهِ تلك الطفلة المنسية على أُرجوحة، ولم أُكمل دوراني حول النجوم السمائية لسبب فقداني للدب الأكبر، كان الليل  مليء بالنقصان. 

 

بدا لي في صباحي الأول الأشبه بالغرابة منذ أخذتْ الطيور تتحاكى معي وكأنني وليدة بينهم، أن أكتبُ رواية على الأستبرق، وأرسم لوحات فُسيفسائية على جدران منزلي، وأتسامر مع تلك الطيور فهي جليستي في كل صباح، تجعلني أكتبَ سطراً تلو الآخر، زقزقاتها كعزفٍ موسيقيّ يُشعل ملكات الإلهام لدى الشعراء، لم أتجرأ على التوقف، ففي كل حين يبطء قلمي تتعالى أصواتها، وتَهبُ نسمات فجرية باردة على جبيني، لتقول لي أكملي، أنتِ لستِ وحدك، إننا ننتظرُ  سرد روايتكْ. 

 

لا يعلمون أن روايتي مُحملة بالدعاء الأبدي، بالخيبات المنسية، بتلك الأكاذيب اليومية، أنا لستُ بكاتبة تُفرغُ الأفكار على أوراقٍ من شجر، ولا تلك الكاتبة التي تسرق القصص من أحد، فكل ما بالأمر هو البلاغ القلبيّ، التجارب المريعة التي تُرافقني مثل كرسي المقعد ، أو كالعصا لعجوز كفيف، لا أحد يعلم إن كان للكاتب تأليف القصص والروايات يجعلهُ سعيداً بجنيّ بضع من النقود، إن تلك النقود لربما تكون كلمات مشاعره،بل  تجاربَه ومحاولاته وانهزاماته، إنها هشاشات قلبه الأشبه بهشاشة العظام، إنها روايات ألمه التي تتدفق  كأنها صيحاتاً صامتة تظهر على  هيئة هالات سوداء تحت منبر العيون، تُرسَم على شكل خرائط غير مفهومة لعلها سموماً سوداوية ثقيلة على قلبه. 

 

نشعلُ كل يوم السراج لنقاتل بين الأوراق والحبر، نتناسى عالمنا ونذهب للخيال الأعمق، للسعادة، للنجاة، بل إنها أوهام كتابية تجعل منا أطفالاً تائهين بين الواقع والمنتصف أي الخيال، أطفال يشغلون الترفيه بالرسومات الخيالية على ورق محشو بالكلمات العنبرية المملة، لربما يأتي الفرج ويقرعُ جرس المنزل ليأتي صانع الهدايا والمفاجئات ليُظهر المعجزة ،  و هنا يعتقد أنه سينجو، بل  كان للقدر حضور فحصل على أحجية فنية وبغاية  الصعوبة، بدأ بالربط والتحليل، فكانت المُهلكة لهالة أفكاره، أضعفت تركيزه في الواقع، لغاية المنتصف يعتقد أنه سيربح المعركة، لكن محاولاته باءت بالفشل، هنا عزيزي القارىء سيتذمر ويتقمص وجه الدموع، هكذا دورة عواطف الكاتب.

لا تعتقد أن الفكرة السابقة التي كتبتها لك أيها القارئ هي فقط كلمات بل هي بلورة من الأحداث الصحيحة التي تحدث مع الكاتب، 

لا تتذمر هذه الحقيقة عزيزي القارىء، نحن نكتب مشاعرنا وعواطفنا، الأذى و أمطار الأسى من أفئدتنا، نحن بداخلنا العواصف الرعدية ، ويسكن أجسادنا المادية السكون، تلك الكاريزما التي تحبونها ، هي مجرى الهلاك لنا، بعض الكاتبين  يجعلون حياتهم مختصرة لِتتسع في صفحات كتاب  يسمونه رواية، أتعلم أن الكاتب يشتعلُ ألماً وقهراً وأنتم تسردون الرواية في ربيع لياليكم لتقضو بضع أوقات مع أضواء الشموع، ليطلق عليكم مثقفون. 

 

فبذلك يصعب علينا دمج الفنانيين بخانة واحدة، فالكاتب مُنعزل كالأساطير والحقائق،  كالبراهين والبديهيات، هكذا نحن مختلفون تماماً عن الممثليين والمغنيين و العازفيين وغيرهم ، فالحروف المنسوجة من داخل الجسد لا تُغنّى بألحانٍ حقيقية ، ليست كلمعة العيون حين يؤدي الشاعر كلماتهُ بإلقاءٍ تام، ولا كحرارة الأجساد عند سماع القافيات ، إنهم شفافية   يصعب وصفها  كإختراق أشعة الشمس للوح الزجاج ،  كإنكسار الضوء بين الماء والهواء، إنهم كالسفر بين المجرات النجمية، وأحياناً كنجم الأرض العظيم (الشمس). 

 

لن أقف عن الوصف للحظة لكن الشمس ستصبحُ في منتصف السماء وستغادرني الطيور الرفيقة، فسأحدثهم عن شيء لربما سيعيلوني على تحمل ممثليين دور الكُتّاب، فليس كل كاتب كلماتهُ مكررة ومبعثرة ونسج الجمل على سطر الدفتر سيكون كاتباً، وليس كل من أخذ أقتباساً من قصة سيكون راوي، فقد تبرئ منكَ الفن والقديمون، أنت فقط مقتبس، لستَ كاتباً. 

 

أنا الكاتبة أعلاه سأبوح عن عُقَد الخيال والواقع التي يسافر بينهما الكاتب، وتكون ملكات إلهامه كأنها على السراط بينهم، حائرة بين الخيال والواقع، لربما يربط الصور الفنية بالواقع المرير ليبتعد عن الأوهام الكونية، ويسبح مع قلمهُ ويجعلهُ يحلق كطيور النورس الحائمة حول البحر، مُحلقاً بسلام  وأمان دون توقف بحرية تامة دون قيود. 

هذه مشاعر مكبوتة يا رفاقي، إنها صراع الداخلي، دوران الخيال  حول الكرة الأرضية ،  أو إن الروح قد شاخت  من ممثلي الفن ، وابقت الكاتبين في سحابةٍ تشبه السراب. 

 

 

انتهى اليوم بمصرعيه، وهنا غادرتني الطيور مسرعة، 

فمن الممكن قد شعروا بما أكتب فذهبوا ليوصلوا ماأبوح لهم إلى من يشعر بي، لربما لن يأتوا مجدداً من فرطِ السموم السوداوية التي حمّلتهم إياها. 

 

سلامٌ عليك أيها القارئ وسلاماً على كُلِ كاتبٍ وفنان، سلاماً على أرواحكم الهشة والخيّرة. 

رموز كاتبة 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٤ ص - عبد الفتاح الطيب
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٨ ص - jimina
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٥ ص - شهد بركات
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Amani
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٠٨ م - soha
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٠٠ ص - Zm23138244
About Author