فاتنة ليست فاتنة (الجزء التاسع)

تقابل يوسف وزين وماهيتاب للتفكير بأمور دار الرعاية للأطفال وتجهيز أوراقها.

قال زين العابدين: أين سنقيم مقر الدار؟ لدي قطعة أرض سأقوم ببيعها لتحصيل جزء من المال لشراء المقر وأنتم تكملوا الباقي.

قالت ماهيتاب: المنزل! لدي منزل كبير لا يعيش به أحد.

وقالت في نفسها: سأتصدق بمنزلي لوجهك الكريم فتقبل مني يا رب وأرضى عني وراضين.

قال يوسف: نعم وكأن هذا المنزل كان مقدر لهذا العمل الخيري العظيم.

قال زين العابدين: الامر يبدو ميسر أكثر مما توقعت، حسنا، هل هذا المنزل تمليك.

قالت ماهيتاب: نعم، بكل تأكيد. 

قال يوسف: وسأتولى تجهيز المنزل وشراء اللوازم من سرائر وغيرها من اللوازم.

قالت ماهيتاب: وأنا أبلغ ٣١ عام اي يتوفر لدي شرط العمر.

قال زين العابدين: وأنا أستطيع تولي أمر موافقة الحي وأمور طلب موافقة للترخيص.

قال يوسف: وأنا سأساعدك يا زين؛ حسنا يا رفاق فلنبدأ لتجهيز الدار.

قالت ماهيتاب: كنت أحلم بطفل فسيرزقني الله بمنزل كبير مليء بالأطفال.

 

جاء يوم الحفل بمولد ياسين وقد اصطحب ماجد ياسمين إلى محل تصوير، لتذكر هذا اليوم هو وزوجته وابنهم ياسين، وكانوا حقا سعداء، ثم ذهب ماجد إلى مطعم كبير وقرر أن يقضي هذا اليوم معها هي وابنهم.

قال ماجد: أردت ان أهديك هدية لأنك أنتِ لي أجمل هدية بحياتي، وقد احتارت كثيرا ماذا أقدم لك؟ شعرت أنك أعطيتني الكثير منكِ، أعطيتني حب واهتمام وحنان وعلمتني الكثير من الأخلاق والقيم وعلمتني الصلاة والقرآن وكان حديثك كله عن دين الله. ولأن حياتي بدأت كحياة يوم أدركت قيمتك وأنك شخص مميز ويوم أدركت أنك تعني لي الكثير وأني أحبك، أردت أن أعطيكِ كل شيء عني لتفهمي من يكون هذا الشخص الذي أمامك منذ مولده. فسأعطيكِ ماضيّ وحاضري وأنت أكملي فيه مستقبلنا...

ثم اعطها صندوق مزخرف وعليه بطاقة مكتوب بها " كلي بين يديك، ماجد " وقال لها افتحيها في وقت لاحق.

 

قالت ياسمين وهي لا تصدق كل هذا الكلام الجميل: أنت من أنرت حياتي وجعلتها حياة، كنت قد أعتدت الوحدة وكنت اتلهف لمن يؤنس وحدتي وينير عتمتي وظلامي، تركني الجميع ولم يحاول أن يراني أحد، يرى ما يعجبه، الكل تركني وحكم على شكلي الخارجي فقط ورغم أنك مثلهم حكمت على شكلي الخارجي ولكنك بالنهاية رأيت جمال داخلي، أنا حقا لا أعلم ماذا أستطيع أن أقدم لك، لا يوجد ما أستطيع تقديمه لأعبر به عن مشاعري تجاهك، أنا معك في نعيم.

 

وبعد أن تقرب كل منهم بود الأخر قرروا العودة للاحتفال فالجميع ينتظرهم.

 

بعد أن انتهى الاحتفال وقد تبقى الكثير من الكعك الذي لم يُأكل، كانت هذه اللحظة التي انتظرتها سها وبالفعل وضعت السُمّ بجميع الكعك بالشوكولا.

في مساء اليوم التالي أخبرت سها الجميع أنها لديها موعد مع الطبيب كي تتهرب من أكل كعكة الشوكولا المسممة وحتى لا تجعل أحد يشك بها.

أحضر الشيف نديم كبير الطباخين الكعك المتبقي من حفلة أمس، وكما هو معتاد كعكة الشوكولا أمام ياسمين والبقية كعكة الكريمة.

قالت ياسمين: لا أستطيع أكل كعكتي فقد أكلت أنا وياسين الكثير من قطع الشوكولا التي أحضرها لي يوسف.

قال ماجد: هل تريدين أن نبدل كعكنا، خذي كعكتي وأعطيني كعكتك.

قالت ياسمين: خذ كعكتي كما تشاء ولكني لا أريد أكل أي منها.

وبعد أن أكل ماجد الكعكة تصلب مكانه وشعر بشلل عصبي وقبل أن يستوعب أحد ما حدث قد فارق الحياة..

ظلت ياسمين تصرخ وتقول: لااااا، لاااا تتركني يا ماجد، قد فاديتني أنا وابنك، لماذا لم تأخذنا معك، لا أستطيع العيش بدونك.

رحماك ربي، وتذكرت آية في سورة البقرة وقالت: " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧) "

وهي تبكي وتقول: لا استطيع تحمل هذا الابتلاء، يا رب رحمتك يا رب ادخل الصبر في قلبي، اللهم اعف عنه واغفر له وتجاوز عن سيئاته وتقبل توبته وادخله الجنة بغير حساب.

جاءت والدتها على الفور وقالت لها: قولي "اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خير منها".

قالت ياسمين كما أخبرتها أمها وجاء يوسف وهو يحاول تهدئة ياسمين وأخذت ماهيتاب ياسين واحتضانته وقامت برعايته.

 

حاول الجميع استيعاب ما حدث واتصلوا بالإسعاف وأخبره الطبيب أنها حالة تسمم ويجب إخبار الشرطة.

جاء المحقق سعيد إلى منزل السيد زكي وقتها جاءت سها وحينما وجدت الشرطة فهمت أن ياسمين قد فارقت الحياة.

رأت سها زوجها ماهر يبكي بشدة وتعجبت كيف له أن يحزن هكذا على ياسمين، اقتربت منه وسألته: ماذا هناك؟ ما كل هذا الصراخ؟ وما سبب مجيء الشرطة؟

قال ماهر بصراخ: قد تسمم ماجد أخي.

لم تصدق سها ما سمعت وسألته: وماذا عن ياسمين؟

رقال لها: بغرفة ماجد.

 

لم تتمالك سها نفسها وذهب بسيارتها بسرعة شديدة وهي تقول ياسمين، ياسمين، ياسمين ما هذا الكابوس الذي لا ينتهي.

أظهر نتيجة تحليل الكعك أن به السمّ، ولكن ما ادهش المحقق أن كعك الشوكولا فقط الذي به السمّ.

 

كان السيد زكي لم يحتمل الصدمة ولم يستطع الكلام وكان المحقق سعيد يريد من يجيبه عن بعض الاستفسارات.

فسأل كل من ماهر والسيدة إلهام وقال: هل الضحية كان يحب الكعك بالشوكولا؟ 

قالوا معا: لا، جميعنا أسرة ماجد تحب كعك الكريمة، ولا يحب كعك الشوكولا سوى ياسمين وياسين ابنها وسها.

قال المحقق سعيد: ولماذا أكل كعك الشوكولا هذه المرة ولم تأكل ياسمين او ياسين أو سها؟ 

فحكى ماهر ما حدث، تحولت الشكوك حول ياسمين وسها لأنهم لم يأكلوا الكعك وكأنهم يعلمون أنه مسموم.

قام المحقق سعيد بالتحقيق مع ياسمين وأخبرته بما حدث وسبب عدم أكلها الكعكة وربما القاتل اراد قتلها هي وكان يعلم بمغادرة سها المنزل وربما أراد قتل ابني أيضا، نحن فقط من كنا سنأكله.

 

وبعد انتهاء التحقيق قامت الشرطة بالقبض على طباخة الحلويات نسرين فهي من أعدت الكعك.

 

وبمرور الأيام وصعوبتها ومرارتها على كل من بالقصر، قامت ياسمين بفتح الهدية التي لم تلحق تفتحها أمام حبيبها ماجد وكأنه يشعر أنه سيغادرها، وجدت به مدونة بها مذكرات ماجد ومعها ورقة مكتوب بها أنه اراد ان يجبرها بكل تفاصيله وكأنها عند قرأتها كأنها تعيشها معه وأنه لم يعد يهتم بتدوين تفاصيله فيكفي أنه سيعيشها معها. 

بكت ياسمين وقالت: لم تعد تهتم بالتدوين وكأنك تشعر أن أخر صفحة كتبتها هو أخر يوم لك.

 

بعد أيام من تلك الحادثة وقد بدأت ياسمين في التفكير، من أراد فعل هذا؟ وقررت الذهاب إلى نسرين لتسألها بعض الأسئلة.

قالت ياسمين لنسرين: لماذا وضعتي السمّ؟ من طلب منكِ هذا؟ ولماذا هذا الشخص يريد التخلص مني ومن ابني؟ أجبينني؟

قالت نسرين وهي تبكي: يا سيدتي أنتِ اكثر شخص ستصدقينني، أنتِ على علم بصلاتي وخوفي من الله ورضاي بالقليل، فلماذا أفعل هذا؟ أنا اعلم عقوبة القتل وأخشى النار ولماذا أقتلك أو أشارك في قتلك وأنتِ أكثر من يعاملني برفق؟ صدقيني، اقسم لك أني لم أفعل.

صمتت ياسمين ثم قالت: أشعر بصدقك ولأني لا أحب الظلم فسأحضر محامٍ لك ولكن من القاتل إذن.

ذهبت ماهيتاب إلى نسرين وقد رأت ياسمين تخرج من عندها فقامت بالاختفاء حتى غادرت ثم عادت إلى طريقا لنسرين، ثم طمأنت نسرين أنها ستساعدها وتحضر لها محامي وأنها لن تتركها.

شعرت نسرين أن الله استجاب لدعائها وهي دائما ترضي الله وتتقي الله في كل أمورها.

 

كانت حالة زكي في تدهور تام فطلب من إلهام وماهر الحديث معهم.

قالت إلهام وهي تبكي: أرجوك يا زكي لا ترهق نفسك، لا تتركني فأنا لم أفيق من فقظاني لماجد.

حاول ماهر تهدئة والدته والاستماع إلى والده السيد زكي.

قال زكي: اسمعني يا ماهر، يجب أن تتزوج ياسمين بعد انتهاء عدتها أربعة أشهر وعشرا، فيجب أن يتربى ابن أخوك بحضنك لتعوضه عن أبيه وأن تراعي زوجة اخيك بعد وفاته، لو كان يعلم باقتراب أجله لكان طلب منك هذا.

قال ماهر: مستحيل يا أبي، أعذرني، أنا لا أطيق النظر إليها، لست مثل اخي.

قال زكي: عيب عليك، أتستطيع معاشرة سها وتحمل طباعها الصعبة ولا تستطيع رؤية نقاء ياسمين وطيبة قلبها، يا لك من بائس.

قال ماهر: سأرعى ابن أخي طيلة عمري ولن أجعل زوجة أخي بحاجة لشيء ولكن لا أتحمل زوجها، لا، لا. 

خرج ماهر غاضب ولا يريد سماع المزيد، شعر زكي بأن الألم اشتد عليه وزاد انفعاله، حاولت إلهام تهدئة زكي وقالت: لا تقلق يا زكي، سأتحدث مع ابني وأقنعه بالأمر.

 

خرجت إلهام وقالت لماهر: ألا ترى حالة أبيك؟ انت لا تفكر إلا في نفسك فقط؟

قال ماهر: ألا تسمعين ماذا قال؟ أنا لا أحب التطلع لوجها وبالكاد أتعامل معها، كيف لي أن أتزوجها؟ ولماذا؟ ألم اخبره أني سأعتني بابن اخي وزوجته؟ ولكن ليس بالضرورة بالزواج.

قالت إلهام: وماذا إن أرادت الزواج ؟ هل تقبل أن يكون لابن أخيك زوج أم رجل غريب؟

قال ماهر: وقتها القانون سيجعل الولد معنا وسنربيه ونهتم به.

قالت إلهام: وسنحرمه من أمه وحنانها وعطفها؟ 

قال ماهر: انت من تقولين هذا؟ لم نشعر بأي من هذا الحنان والعطف، أليس كذلك؟

قالت إلهام: لقد ندمت يا ماهر ولا أريد أن يتكرر خطأي مع حفيدي، إذا تزوجتها فكانه يعيش مع أمه وأبيه.

ثم قالت: واكتفي بأن يكون زواجك منها رسمي فقط، لضمان عدم زواجها من رجل غريب وأن يتربى حفيدي بينكم.

قال ماهر: ولكن أليس هذا ظلم لها؟

قالت إلهام: إذا رفضت فسنخبر أبيك أنك نفذت امره وهي من رفضت، ولكني أعلم ياسمين أن هذا الحل ما سيجعلها توافق على الزواج.

قال ماهر: ولن ابيت بغرفتها يوم واحد.

قالت إلهام: لا يهم، المهم أن تحتضن ابن أخيك وتعوضه حنان الأب.

قال ماهر: حسنا، إذا كان الامر كذلك، فأنا موافق.

 

كانت ياسمين تقرأ من مذكرات ماجد وكأنها تعيش معه كل كلمة مكتوبة حتى تحكي لياسين عن أبيه جيدا، كانت حزينة ليتم ابنها وهو لم يفطم حتى، وكأنه سيعاني مثلها أصعب شعور بهذا العالم وهو شعور اليتم، حاولت ياسمين الاهتمام بياسين وتعويضه ما تستطيع تقديمه وحاولت الانشغال به عن الحزن والتفكير فيما مضى، ولاسيما بعد سماع خطبة يوم الجمعة وكانت عن المؤمنين، ان الله وصفهم بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الخوف شعور يخص بالمستقبل فلا يجب عليها الخوف من مستقبل ابنها والحزن شعور يخص الماضي فلا يجب عليها أن تطيل في الحزن على ما قد حدث.

وبعد انتهاء عدة ياسمين طلب زكي أن يتحدث إلى ياسمين ليخبرها بأمر زواجها من ماهر.

قال زكي: ياسمين ابنتي، ارجو تلبي طلبي الأخير لكي ارتاح قبل موتي.

قالت ياسمين والدموع بعينيها : أرجوك يا عمي لا تقول هذا.

قال زكي: الموت حق يا ابنتي وأنا اشعر أني سأرتاح إن لحقت بابني، ولكي أطمئن عليكِ وعلى حفيدي تزوجي بماهر.

انصدمت ياسمين من طلبه الذي لم تتوقع وقبل ان تجيبه قال: فكري بابنك أولا فسيكون عمه عوضه عن أبيه وسيرعاه ويهتم به وبك ويقوم بدوره تجاه أخيه.

 

خرجت ياسمين وينتظرها ماهر ليخبرها بما لم يخبرها به والده، أن زواجهم سيكون رسمي فقط، وأنه يحب سها منذ طفولته ولن يأخذ أحد مكانها، كانت ياسمين ما زالت مترددة ولا ترغب في هذا الزواج، فكرت أن تستشير والدتها وأخيها.

حينما أخبرت ياسمين والدتها وأخيها بالأمر، قالت الأم: رغم أني أشعر بالذنب أن ليس لديك فرضة للزواج مرة أخرى زواج حقيقي ولكن أشعر بشعورك حينما توفى زوجي وكنت ما زلت صغيرة ورفضت الزواج مطلقا لأجلكم فأعلم أن ابنك هو أهم من روحك، وعمه سيكون أكثر شخص يهتم لأمر ابنك، وكان هذا رأي يوسف أيضا، وأخبر يوسف ياسمين أنه بجانبها دائما ولن يتركها وسيهتم لأمر ياسين وأمر والدته ياسمين وإذا كانت لا تقبل هذا الزواج فهو سيدعمها بالتأكيد.

فكرت ياسمين في كلام السيد زكي وماهر ووالدتها وشعرت أنه من الأنانية رفض هذا الزواج والتفكير بنفسها فقط، وبما أنه زواج رسمي فقط فهذا ما سيجعل الزواج مقبول وأكثر راحة لها فهي لا تستطيع ترك التفكير سوى في ماجد طوال عمرها.

بعد موافقة الجميع تزوج ماهر من ياسمين، بدأت سها في ان تكون لينة ورقيقة مع ماهر حتى تستطيع كيد ياسمين، ولم تكن تعي أن ياسمين لا تفكر سوى بياسين ولا تهتم أنها بلا شريك فيكفي أن حياتها بها ياسين…

فاتنة ليست فاتنة ج١٠

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author
Aya
Aya