بعد إفاقة ياسمين وجدت ماجد أمامها سألته عن المولود، أخبرها أنه بخير وأعطاها الطفل لتراه.
قال: أحملي طفلكِ يا عزيزتي.
قالت: ما شاء الله تبارك الله، كم هو جميل.
قال ماجد: أستجاب الله دعائنا يا ياسمين، أتذكرين ماذا دعيتِ أول ما رأيت الكعبة؟
قالت ياسمين في دهشة: ماذا تقصد؟ هل تقصد أن.. طفلنا...
قاطعها ماجد وقال: طبيعي، طبيعي يا ياسمين.
بكت ياسمين وقالت: اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
أحتضانها ماجد وقد نزلت دموعه وقال: الحمد لله، الحمد لله.
تأثر ماهر كثيرا ودعى ربه يا رب أرزقني بالذرية الصالحة ولا تحرمني يا رب.
جاءت الممرضة لتطمئن على ياسمين وطلبت منها أن تتمشى لتنشيط الدورة الدموية.
عادت ياسمين وسألت ماجد ماذا نسميه يا ماجد؟
قال ماجد: سأسميه على اسمك لأنكم أجمل ما في حياتي.
قال ماهر وياسمين: هل ستسميه ياسمين؟
ضحك ماجد وقال: على نفس وزن ياسمين ساسميه ياسين.
قال ماهر: ما شاء الله اسمه جميل، مبارك عليك يا أبا ياسين.
قالت ياسمين: أنا حتى الآن لا أصدق ما أنا به من نعم، أشعر وكأني الأكثر حظا، اللهم بارك لي فيما أعطيت...
جاءت الأسرتين إلى المشفى وأطمئنوا على ياسمين وطفلها ولم يصدقوا أن الطفل سليم وشعروا بسعادة وقرر السيد زكي بإعداد عقيقة ووليمة كبيرة وقرر ماجد بالتصدق بالمال حمد وشكر لله، وصلَّت والدة ياسمين ركعتين شكر لله وظلت تدعو الله بأن يبارك فرحهم.
قال يوسف: وبمناسبة هذه الاخبار المفرحة فقد حددنا موعد زفافنا أنا وماهيتاب اخر هذا الشهر بإذن الله.
بارك له الجميع وأخبروه أنه أحسن الأختيار.
ذهبت ياسمين بمولدها إلى منزل والدتها حتى تسترد عافيتها وتعود لمنزل السيد زكي، فهي بطبعها لا تحب الخدم وترتاح برعاية والدتها أكثر.
حينما علمت سها بمولد ياسمين الطفل وهو سليم شعرت بالغيرة وأنها تريد أن تنجب طفل هي الأخرى.
قال ماهر: أتصدقين أن ياسمين بعد أن أخبرها الطبيب ان طفلها معاق وكان من الممكن أن تجهضه، قد ولد طفل سليم؟ هذا أمر عجيب.
قالت سها: يكفي أن يكون ابناً لياسمين ليكون معاق.
قال ماهر: حرام عليكِ هذا الكلام، دعيها وشأنها وفكري بشأنك، نحن نحاول الإنجاب منذ أشهر بلا جدوى نريد أن نراجع الطبيب.
كانت سها تعلم أنها مازالت تتناول حبوب مانعة لحدوث حمل وقد أوهمتهم أنها توقفت عنها ولكن الآن ستتوقف عنها بالفعل وتنتظر حدوث حمل.
قالت سها: الطبيب أخبرني أن هذا يحدث بسبب أخذ المانع فترة ويحتاج الجسم لبعض الوقت لإستعادة تهيئته للحمل، فلتنتظر بعض الوقت.
بدأت سها في الإنشغال عن ياسمين بالتفكير في الإنجاب وأنها تريد إنجاب طفل حتى لاتكون ياسمين أفضل منها في شيء!
تزوج يوسف ماهيتاب وقد فاجأت ماهيتاب الجميع ولاسيما يوسف بإرتدائها حجاب أبيض وفستان زفافها يغطي جميع جسدها، لم يصدق يوسف نفسه، أخبرها ما أجمل هديتك ولكن لم يكن لدي ما أهديك به كما أهديتني هذه المفاجأة، أخبرته أنه من بدأ بالهدية وهي أن ظهر بحياتها وأختارها شريكته. وكان حفل مليء بالحاضرين فهم دائما يسعون للخير وعلى علاقة قوية بالكثير من الناس فحضر بالفعل الكثير من الأقارب والأصدقاء والزملاء والمعارف وكانوا سعداء من أجلهم، وعلق الجميع على جمال ماهيتاب بالحجاب.
بعد مرور ستة أشهر ولم تحمل سها ذهبت للطبيب وبدأت الفحوصات والتحاليل وأخبرها الطبيب كما ادعت من قبل!
قال الطبيب: إن تناولك للعقاقير المانعة للحمل فترة طويلة تسببت في بعض الخلل في الهرمونات وهذا يحتاج لبعض الوقت والعلاج لتجاوز هذا الخلل.
قالت سها: وإلى متى ساظل أتناول هذا العلاج حتى يعود الأمر طبيعي؟ قال الطبيب: هذا يختلف من سيدة لأخرى وليس هناك وقت محدد ولكن ربما سيعود الأمر طبيعي بعد شهور إلى عام، ألتزمي بالعلاج والتعليمات ولا تشغلي بالك بهذه الأمور، الإنجاب يحتاج إلى راحة الزهن والبال والغذاء الصحي ولا تفكري كثيرا.
قالت سها: حسنا، لنرى.
كانت سها تقرأ كثيرا وتتابع مقالات وبرامج عن تأخر الإنجاب بسبب موانع الحمل، وانشغلت تماما عن ياسمين وابنها ياسين وكأنهم غير موجودين، كانت تنتظر حتى يحدث ما تريد فتقوم بملاحقتهم بالأذى كما هو معهود عنها ولكن تنتظر الوقت المناسب حينما تنجب طفلا مثلها...
اتصل أحد أصدقاء يوسف وهو زين العابدين وأخبره أنه أثناء حمله لبعض المخلفات ووضعها بالصندوق المخصص لها وجد طفل رضيع حي، وبحث أن أحد أماكن رعاية الأطفال بلا مأوى وقام بتسليمه، ولكن هذا أوحى له بفكرة ويريد مساندته بها.
قال زين العابدين: أريد تأسيس دار رعاية للأطفال اللقيطة ولكن أحتاج تشجيع لي ومساندة، ما رأيك؟
قال يوسف: هذه فكرة رائعة حقا، بلا شك أنا معك في هذا الأمر.
قال زين العابدين: هذا أمر جيد، ولكن هل تعلم ما هي الإجراءات؟
قال يوسف: حتى الآن لا أعلم، ربما سأبحث في هذا الأمر مع صديق لي بأحد الجمعيات الخيرية.
قال زين العابدين: حسنا، سأذهب معك ونستفسر عن الأمر، وأنا معك بكل شيء.
قال يوسف: هذا جيد، عند تحديد ميعاد مع صديقي سأخبرك لنذهب معاً.
قال زين العابدين: حسنا، سأنتظر اتصالك.
كانت ماهيتاب هي الأخرى منشغلة بأمر تأخر حملها وحينما قامت بزيارة الطبيب أخبرها أن لديها أجسام مناعية مضادة تعيق حدوث حمل وهذه الاجسام لم يكتشف لها علاج خاص بها ولكن هناك أطباء يقومون بكتابة أدوية إيقاف عملها بشكل مؤقت حتى حدوث الحمل، ولكن كل هذا لا يأتي بثماره مباشرة في العادة وضرره كبير على صحة الإنسان لذلك هو لا يحبذ هذا، وربما يحدث الحمل وحده رغم وجود هذه الأجسام ولكن في وقت غير معلوم من الممكن بعد مرور شهور أو اعوام وربما لا يحدث أبدا.
حينما علمت ماهيتاب بهذا الأمر شعرت بحزن كبير وشعر يوسف بانطفائها طوال الوقت، جاءت ابتهال والدة يوسف لتواسي ماهيتاب وتحاول دعمها لتستعيد حيويتها من جديد.
قالت ماهيتاب وهي باكية: كم كنت أود أن أرزق بأطفال، لا أستطيع تقبل فكرة صعوبة إنجابي، أنا حقا أحب الأطفال.
قالت ابتهال: ومن قال أنك لن تنجبي، ستنجبين وترزقين، كوني على يقين من هذا.
قالت ماهيتاب: الطبيب قال أن حالتي ليس لها علاج، وحدوث الحمل ربما بعد مرور أعوام أو لا يحدث.
قالت ابتهال: هل هؤلاء الأطباء الذين لم يصلوا إلى علاج يعلموا أكثر من ربك؟
لا تيأسي عزيزتي، لا تطرقي أبواب الأطباء وأطرقي باب الله الذي لا حدود لعطاءه ولا تعجز قدرته عند حد؛ اتعلمين هناك حديث عن الرسول صل الله عليه وسلم " داوو مرضاكم بالصدقة "، إذا أخبرك الأطباء لا علاج لحالتك فقومي بالصدقات حتى تشفي من عند الله.
ظلت تبكي ماهيتاب بشدة وتقول: أنا دائما أقوم بالتصدق وأعتاد عليها ومع ذلك ... ومع ذلك.. وظلت تبكي دون النطق بكلمة.
قالت ابتهال: كنت تتصدقين لأن قلبك رحيم وتشعرين بغيرك وهذا أمر طيب ولكن ماذا عن نيتك؟ اجعلي نيتك في الصدقة وجه الله تعالى ثم قومي بالدعاء بما تريدي ولا تتعجلي الإجابة لأنه مهما طالت ستجاب بإذن الله حبيبتي.
انتبهت ماهيتاب لكلام حماتها ومسحت دموعها وقالت: كيف أفعل ذلك لا أفهم.
قالت ابتهال: سأوضح بمثال، إذا رأيت شخصان بحاجة إلى المال وهناك شخص أكثر حاجة من الأخر ولكن يستحي أن يظهر حاجته ويتعامل بكبرياء بعض الشيء ولكن الأقل حاجة يقوم باستعطافك أكثر، من ستعطيه اكثر وأولى وبإهتمام؟ في الغالب ستعطي الذي يستعطفك أكثر حتى ولو يبدو لك أنه في الحقيقه الأقل احتياج ولكن أجاد التعبير عن حاجته أكثر أو ربما أحسن طريقة طلبه أكثر ، أليس كذلك؟
قالت ماهيتاب: نعم، أنت محقة، هذا ما يحدث.
قالت ابتهال: أنت الذي قادك في الصدقة لأن قلبك رحيم لم يتحمل استعطاف أحدهم، لكن إن كنت تتصدقين لوجه الله تعالى حتى ولو عاملك أحدهم بطريقة غير لائقة أو لم تعجبك أو بكبرياء ولكن أنت على علم بحاجته ستتصدقين لأجله بقدر حاجته لا بقدر طلبه وإلحاحه وهذا لأن نيتك وجه الله تعالى وليس بسبب استعطاف أحد، هل فهمتي قصدي؟
قالت ماهيتاب: نعم، نعم فهمت، أنت محقة في كل كلمة ولكن لم أكن ادري بكل هذا فقط تصرفت بطبيعتي.
قالت ابتهال: ستؤجرين على الصدقة في كل الأحوال ولكن بالتأكيد إذا كانت نيتك لوجه الله فثوابك مضاعف بالتأكيد.
ولكن يجب عليكِ أن تشعري بالرضا والصبر ولا تتعجلي حتى ولو انتظرتي أعوام لا يهم ولكن كوني على ثقة أنك سترزقين وبالوقت المناسب.
قالت ماهيتاب: شكرا لك يا أمي، ياليتك أمي حقا.
قالت ابتهال: أنا أمك بالفعل يوم أختارك ابني.
أصبحت ابتهال حالتها أفضل ولم تعد تفكر باستعجال الأمر وحاولت الانشغال بأعملها الخيرية وإذا شعرت أنها بحاجة للبكاء من حين لأخر ثم تبدأ من جديد وهي أكثر قوة وصبر.
أخبر يوسف ماهيتاب بأمر دار رعاية الأطفال الذي ينوي هو وصديقه تأسيسه، تحمست كثيرا وقالت: وأنا معكم بلا شك.
بدأ الثلاثة يبحثون في إجراءات هذه الدار والتي تتمثل في الحصول على ترخيص من وزارة التضامن الاجتماعي وهذا الترخيص يحتاج إلى مقر مستقر والأفضل تمليك، وموافقة الحي والدفاع والإسكان، ومديرة الدار لا تقل عن ٣٠ عاما وبعد الحصول على ترخيص يجب تقديم طلب بالموافقة عليه وبعد الموافقة عليه يجب إحضار صورة من محضر مجلس الإدارة بالموافقة على الترخيص وبعد كل هذا إنتظار المعاينة من قبل الإدارة والبث في الطلب بعد إستيفاء الشروط.
قال يوسف: ما كل هذا يبدو أننا سنفتتحه خلال أعوام حتى ننفذ كل هذه الإجراءات، سنفتتحه حين يحتل الشيب رأسي.
قال زين العابدين: لا تنظر للأمر هكذا، حاول تقسيم المشكلة الكبيرة التي يصعب حلها إلى مشاكل صغيرة من السهل حلها.
قالت ماهيتاب: نعم، هذا صحيح، فكر بإيجابية أكثر.
قال يوسف: كنت أمزح يا شباب، أعي ما تقصد يا زين إنها نظرية فرق تسود.
قال زين العابدين: نعم هي، حسنا يا شباب، لا وقت للتراجع مهما واجهتنا من صعوبات، ولنكن دعم لبعضنا لبعض.
قال يوسف: بكل تأكيد، ولكن أهم شيء أولا استحضار النية لوجه الله تعالى، والاستعانة به لتيسير الأمر والتوفيق.
تذكرت ماهيتاب كلام حماتها وجددت نيتها لوجه الله ثم دعت في نفسها ربها أنها ستخلص النية لوجهه الكريم راجية رضاه عنها وأن يراضيها ويمُنّ عليها بالذرية الصالحة.
مرت ستة أشهر أخرى وقد استمرت سها على العلاج بلا جدوى وقد تم ياسين عامه الأول وهذا ما جعل سها أكثر حقدا وحسدا ولم تتقبل هذا الأمر.
قالت في نفسها: لا، لا، اقترب الاحتفال بمولد هذا الطفل وأنا لا أستطيع الإنجاب، لا يجب أن يعيش هذا الطفل ولا أمه، سأتخلص منهم وإلا أنا من سيموت..
قررت سها إحضار سمّ السيانيد وهو سمّ شديد الخطورة يسبب القتل خلال من ١٥ إلى ٢٠ ثانية ولكن تحتاج تصريح أو الحصول عليه عن طريق الطبيب، وبعد أن حصلت عليه من ذلك الطبيب الغير مهني جلال، قررت وضعه بجميع كعك بالشيكولاة ولكن بعد انتهاء الحفلة وعودة الجميع منازلهم حتى لا يتناوله سواها هي وابنها وباقي من بالمنزل لا يحبون كعك الشيكولاة!
ذهبت ياسمين إلى ماهيتاب لتساعدها بالتجهيز للاحتفال وقام يوسف بتوصيلها للمنزل وفاجأها أخيها يوسف بعلب كثيرة من الشيكولاة لتأكل منه كما تريد، فرحت وقالت له: أمازلت صغيرتك التي تهديها علبة الشيكولاة.
قال لها: كل هذه العلب ترينهم علبة واحدة!
قالت ياسمين: لا فائدة، كل حديثك مزاح...
قال يوسف: اتركي العلب واطلعي يا ياسمين، ليس لك شيء عندي.
قالت ياسمين: أعذرني أخي، كنت أشاكلك فقط.
ضحك وقال: ستظلين طفلتي التي تربت بين يدي، في رعاية الله وحفظه.
غدا يوم الاحتفال وسها بكل جبروت تدعو الله أن تنجح في قتل ياسمين ورضيعها ! يالها من وغدة حقا.
You must be logged in to post a comment.