فاتنة ليست فاتنة (الجزء الثاني)

كانت والدة ماجد شخصية حازمة تحب العمل وهي مديرة مدرسة خاص وتحب الاهتمام بنفسها والسفر والخروج كثيرا مع زوجها، كانت لا تهتم لحياة اولادها كثيرا وكانت تتعامل بفكر غربي أن لكل واحد حياته وهو يتحمل نتيجة اختياراته، كانت تعتمد في تربية أبنائها ماجد وماهر على المربيات وكذلك أمور المنزل على الخدم.

ورغم أن بيئة ماجد وماهر بيئة مرفهة وكل ما يحتاجون إليه متاح ولكن حرمانهم العاطفي لحنان أمهم ورعايتها وخوفها عليهم وعلى مستقبلهم أثر عليهم وعلى بناء شخصيتهم كثيرا، فقد غلب على طباعهم القسوة والحزم واللامبالاة لشيء، ولكن أحيانا يجدون الحنان من والدهم زكي والذي يعمل مهندس بشركة البترول، كان يحاول الحديث معهم واستشارتهم في بعض الأمور لكنه وبحكم عمل أي رجل كان مشغول عنهم كثيرا، وهذا لا يمنع أنه من الحين للأخر يحب مجالستهم وإحتوائهم.

كان ماهر الأخ الأكبر لماجد وقد تزوج من سها ابنة صديق والده بالعمل وكان دائما ما يتبادلون الزيارات بين الأسرتين منذ صغرهم، وكانت سها تلك البنت المدللة والتي ليس لديها أخوات، كان ماهر وماجد يحبون سها ويحبون لفت نظرها دائما وبعد أن كبروا كانت تميل بالمشاعر إلى ماهر وتزوجوا، أما ماجد كلما شرع في موضوع إرتباط لم يكتمل وهو لا يعلم لماذا، ولكنه أدرك الآن أنه كان محظوظ أنه لم يكتمل إرتباطاته السابقة حتى يكن محظوظ بياسمين.

ماهر وسها تزوجوا منذ ثلاثة أعوام وليس لديهم أطفال، كانت هذه رغبة سها لأنها مثل حماتها تحب السفر والخروج وكانت تشعر أن الحمل والأطفال سيقيدوها أكثر فيكفي أنها تقيدت بالزواج، ولكن ماهر كان دائم الإلحاح عليها لإنجاب أطفال وكان دائما يقول لها: 

- حتى ولو طفل واحد يا سها وأنا من سيعتني به.

كانت تتعجب من إلحاحه وتسأله:

- ولما كل هذا الشوق للأطفال نحن في أول زواجنا وليس داعي للعجلة! 

- ربما أريد طفلا لأعطيه الحنان الذي حرمت منه وكأني أرى نفسي في ابني وأعطيه ما حرمت منه وكأني أعطيه لنفسي....

- لن أضحي براحتي وحريتي وشكل جسدي من أجل ما تريد!

وهكذا دائما يظل الشجار الملح على ماهر بسبب الأطفال....

بعد خطبة ماجد وياسمين شعرت سها بالغضب والضجر وبدأ النقاش الحاد بينها وبين ماهر ..

- كيف لفتاة مثل هذه تتزوج من ماجد؟

- صحيح أنني أتعجب مثلك تماما ولكن لا يهم هذه حياته وهو حر

- بالتأكيد لا، فهو يضيف فرد للعائلة كالذي يضيف ملح إلى علبة الشيكولاه! لن أقبل بها أبدا وعليك أن تساعدني لانهاء تلك العلاقة....

- عجيب أمرك يا سها! كلما ارتبط أخي من قبل وكانوا فتيات جميلات وفاتنات كنتِ تحاولين انهاء علاقته تلك لأنك تغارين ولا تريديه يرتبط بمن أجمل منك والآن حينما يريد الزواج بمن هي أقبح منك بكثير وأنت الأفضل في كل شيء أيضا تغارين وتريدين انهاء العلاقة! هل أنت لا تريدين أن يتزوج أخي؟ أم ماذا هناك يا سها؟

- ماذا تقصد يا ماهر؟ فقد كنتم أمامي وتعشقونني أنتم الأثنين ولكني أحببتك أنت وأختارتك أنت، ألا تتذكر؟

- أعلم هذا جيدا ولكن لماذا تغضبين دائما كلما حاول أخي الارتباط بإحداهن؟ أعتقدت أنك الوحيدة التي ستعجبين بزواج أخي من ياسمين لأنه لا أحد يستطيع مقارنتك بها فأنت الأفضل بكل شيء....

-أرأيت ماذا تقول؟ فهي إن أصحبت زوجة أخيك فسيقوم الجميع بمقارنتنا ببعض! وهذا ما أرفضه تماما، أنا لا أحب أن أكون في مقارنة مع تلك الفتاة من الأساس!!!

- فلتهدئي يا عزيزتي ونتركه وشأنه، ولا تحاولين إفساد علاقة أخي كما كنت دائما تفعلين.

غضبت سها وتركت الغرفة وهي تفكر كيف ستفسد هذه العلاقة....

فرحت ياسمين بالخطبة ولم تتوقف طيلة الخطبة عن حمد وشكر الله وكأنها حصلت على كل شيء في هذه الدنيا، فهكذا حال الراضي القانع، يفرح دائما ويضل يشكر الله على نعمه وينسى كل همومه وأحزانه وكأنها لم تحدث من الأساس...

ذهبت ياسمين إلى العمل ووجهها مشرق ومقبلة على الحياة بسعادة، بارك لهما الموظفون ولكن لم يتوقفوا عن الهمس والغيبة كيف ماجد يرتبط بياسمين؟ هل قامت بسحره أم ماذا؟ وقالت إحداهن يجب أن أسألها عن ذلك الساحر لتسحر ما تريد ويضحكون جميعا ما عدا خلود وقالت لهم: هي بالفعل سحرته ولكن ليس بفعل ساحر ولكن بطيبة قلبها ورحمتها على من حولها، وكانوا يجيبون عليها يمكن طيبة قلبها أن توقع بعامل النظافة وليس الوسيم ماجد ثم يعاودون الضحك ولهو الحديث الذي يهوي بالمرء إلى النار يوم الحساب رغم أن المرء لا يشعر بجبال الذنوب فقط من لهو الحديث!

ورغم أن لمياء لم تشاركهم أحاديثهم إلا أنها لم تتوقف عن ملاحقة ماجد وعتابه، كيف له أن يرتبط بياسمين؟ ألم يخبرها أنها قبيحة وأنه تعجب من توظيفها، فلماذا إذن أرتبط بها؟ 

وعند وقت الغداء قالت ياسمين لماجد: فلتذهب أنت إلى خزانة الطعام وأنا أحضرت طعامي لاتباع الحمية الغذائية.

قال لها ماجد: لا ترهقي نفسك بمحاولة فقدك وزنك، فأنت جميلة كما أنت..

قالت ياسمين: شكرا لك على هذه الكلمات الرقيقة ولكني أريد خفض وزني للاهتمام بصحتي أيضا.

ذهب ماجد إلى خزانة الطعام مع زملائه ولم تتركه لمياء إلا وانهالت عليه بالأسئلة دون خجل...

- لماذا يا ماجد؟

- لماذا ماذا؟

- هل سؤالي فعلا غير مفهوم؟ حاضر سأسألك إذن لماذا قمت بخطبة ياسمين؟ 

- ولماذا يقبل المرء على الزواج يا لمياء من وجهة نظرك؟ لأنني أحببتها.

- زواج!! هل أنت جاد حقا؟ أليس هذه الخطبة من أجل التسلية التي لم تكتمل؟ 

- أصمتِ يا لمياء، كيف تجرؤين على التحدث عنها أمامي بهذا الشكل؟ 

- أليس هذا كلامك من قبل بضعة أشهر؟

- شعر باختناق من كلامها وقال: كان هذا من الماضي، عندما كنت ضيق الأفق ولا أهتم سوى بالمظاهر المزيفة ولكن رأيت بها ما لم أراه في غيرها.

- وماذا عني؟

- لم أعدكِ بشيء.

- ولكني أحببتك.

ثم بكت وأكملت حديثها: وكنت أظن أنك تحبني.

- لا تبكي يا لمياء، أنتِ حقا جميلة وسيحبك الكثير، أنتِ رأيت في فقط وسامتي ومظهري الخارجي لكن هناك من يناسبكِ أكثر مني إذا أعطيتي نفسك فرصة لرؤية جماله الداخلي، حينما تشعري معه بالدفئ والراحة والآمان.

- أنت تقول هذا لتريح نفسك ولكن لا تحكم علي وأنت لا تعلم شيء، أنا حقا أحببتك، ليس فقط لوسامتك أو غير ذلك، فقط أحببتك.

- أعذريني يا لمياء، أنا لم أعرف الحب إلا بقربي من ياسمين، أرجو أن تفهميني.

- لقد فهمت، لن أضايقك بحديثي بعد ذلك.

عاد الجميع للعمل وابتسم ماجد لياسمين ثم عاد لمكتبه، وفي نهاية اليوم وأثناء توصيل ماجد لياسمين قالت ياسمين لماجد: أنا على يقين من أن جميع الموظفين يشعرون أني لا أستحقك وأعلم أنهم مندهشون من هذه الخطبة، ولكن..

وقاطعها ماجد وقال: لا تهتمي لكلام أحد، يكفي أنك الأفضل في عيني، يكفي أني لم أكن أعلم ما هو شعور الحب قبل أن أعرفك وكنت لا أصدق انه موجود.

شعرت ياسمين بالراحة عندما سمعت كلامه، فكانت دائما تشعر بالخوف أن يتأثر بما يسمع من الجميع فيتركها أو يشعر بالندم على الارتباط بها.

ثم اوصلها المنزل وقال لها: أنا من أخشى أن تتركيني بعد ان وجدت ما أبحث عنه ولم أجده، من السهل أن تأخذ المراة الجذابة نظر الرجل ولكن القلب لكل قلب مدخله وأنت وحدك من تملكين المدخل لقلبي....

عادت ياسمين للمنزل وهي تشعر وكأنها في حلم ولا تصدق نفسها حتى الآن....

قابلت سها صديقتها ماهيتاب وأخبرتها أنها لا تصدق أن ماجد قد خطب تلك الفتاة وأنها لن تهدأ حتى تنهي هذه العلاقة كالذي قبلها، ولكن تعجبت صديقتها وقالت: أنا أتفهم جيدا أنكِ لا ترغبين بمقارنة بينك وبينها ولكن أشعر وكأنك لا ترغبين بزواجه، هل تحبيه يا سها؟

- ماذا جرى لكم حقا، الجميع يتهمني أني أحبه!!!

- من غيري قال لكِ ذلك؟

- لن تصدقي، ماهر شك في ذلك.

- ماذا؟! هذا يعني أنكِ يجب أن تتوقفي عن محاولتك لإفساد تلك العلاقة حتى لا تُفسد علاقتك أنتِ الأخرى.

- ظننت أنكِ ستفهميني ولكن يبدو أني كنت مخطئة.

ثم قامت وقبل أن تذهب أمسكت بها ماهيتاب وقالت لها: أنتظري يا سها انا فقط أخبرك بما أخشى عليكِ منه ولكن أجلسي وأكملي حديثك.

- أريدك أن تساعدينني فأنا لا أستطيع التحدث مع تلك الفتاة لكي أحدث مشاكل بينهم، لا أطيق حتى رؤيتها، فليس لي خيار سواك أنتِ.

- ماذا تريدين أن أفعله بالضبط؟

- سأعطيكي رقم ماجد وسأخبرك بمواعيده معها، وقتها تقومين بارسال رسائل وصور والاتصال به ومشاغلته حتى تظن أنه يخونها وتحدث مشاكل بينهم وربما تتركه.

- كما تشائين...

انشغلت سها بياسمين اكثر من أي فتاة ارتبط بها من قبل، فكيف رغم افتقرها لكثير من الأمور ينجذب إليها لهذه الدرجة، يبدو أن التخلص منها سيكون أمرا صعبا..

استيقظت ياسمين وكان هذا أول يوم ستخرج فيه مع ماجد وكانت تشعر بسعادة يشوبها قلق وخوف من حدوث أي مشكلة، وحينما جاء لياخذها ظلت طوال الطريق تدعو الله أن يجعل يومها بخير وينجيها من كل شر، وكلما سألها ماجد ماذا بكِ؟ اخبرته أنها بخير ولكن أشعر ببعض التوتر، فأمسك بيدها وقال:

- لا تخافين وأنا بجوارك.

فأبعدت يدها على الفور وقالت له: 

- لا يجوز لك هذا في الوقت الحالي فهذا حرام.

تعجب لها وقال: أنا خاطبك فالآن الشباب يمسكون أيديهم دون ان يكون هناك ارتباط رسمي.

- قالت له: الحرام سيظل حراما حتى ولو فعله الجميع، والحلال سيظل حلالا حتى ولو لم يفعله أحد..

- قال لها: يبدو أني سأظل أتعلم منكِ وكأني طفل صغير وأظل أتعلق بكِ أكثر فأكثر.

وبعد أن جلسوا بالطاولة وطلبوا الغداء، جاءت رسالة إلى ماجد وحينما فتحها تعجب وقال: من الذي أرسل هذا؟ ثم فعل ما لم يتوقعه أحد.

ظنت سها أنه سيرتبك وستشك به ياسمين ولكن صدق نواياه جعله يخبر ياسمين بمحتوى هذه الرسالة ويقول لها: 

- انظري هذه الرسالة، فهناك من تعبث بي وترسل لي مثل هذا الكلام الجريء وكأني على علاقة بها، من هذه ولماذا تفعل ذلك؟!

شعرت ياسمين بأن ماجد يخشى أن تصدق محتوى الرسالة او تشغر بالغيرة ويبدو أن هناك من يحاول الإيقاع بينهم.

ثم قالت له: لا تبالي يا ماجد فيبدو أننا سنعاني كثيرا لمحاولات الإيقاع بيننا.

قال لها ماجد: كم أشعر بارتياح بعد أن تفهمتي أنها رسالة زائفة لإحداث مشكلة بيننا.

كان يوما جميلا بينهم، وحمدت ياسمين ربها أن اليوم قد مر بسلام وأن الله أعطاها الثبات والحكمة للتعامل مع تلك الفتيات اللاتي يحاولن الإفساد بينهم.

كل يوم يمر تحاول سها وماهيتاب إفتعال مشاكل بين ماجد وياسمين وبكل الطرق ولكن ياسمين لم تبالي وسلمت أمرها لله، وتعلم ماجد منها أن يسلم أمره لله ومهما حاولن تشكيك ماجد في ياسمين أو العكس يفسد كل شيء، حتى أن سها بدأت الخلافات بينها وبين زوجها في استمرار وكأن السحر انقلب على الساحر، فانشغال سها في التفريق بينهم جعلها تهمل زوجها وتغضب كثيرا وتجعل حياتهم لا تحتمل...

ورغم انتظار إحدى الموظفات أي خلاف أو إشكال بينهم إلا أن هذين الثنائي متفهمين جدا وخلافتهم بسيطة بل تزيد من ترابطهم أكثر، ومع مرور الوقت بدا يتقبل الجميع هذه العلاقة حتى اقترب زفافهم وستبدأ اجمل رحلة زوجية كلها تفاهم ومحبة.

فاتنة ليست فاتنة ج٣

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author
Aya
Aya