فاتنة ليست فاتنة (الجزء الخامس)

قرر زكي وإلهام إقامة حفل صغير بمنزلهم للاحتفال بهذا الخبر الجميل خبر حمل ياسمين، ورغم أن ياسمين أخبرت ماجد أنه لا داعي لهذا فلنصبر حتى يأتي المولود ولكن أصر زكي لإقامة هذا الحفل حتى يخبر الجميع بقرارته وحتى يزيد الترابط الأسري والتعرف أكثر على أسرة ياسمين، وحضر الحفل والدة ياسمين وأخيها يوسف، وماهر وزوجته حتى أن ماهيتاب صديقتها حينما علمت بهذا الحفل رغبت في المجيء وأخبرتها سها أنه لا مشكلة في حضورها، أرادت ماهيتاب أن تتعرف على ياسمين فهي تشعر بالذنب كثيرا لأنها أخطأت في حقها حينما حاولت الإيقاع بينها وبين ماجد، فربما تطلب منها أن تسمحها عما بدر منها حتى يرتاح ضميرها.


كانت ماهيتاب قلبها نقي رغم بيئتها الثرية مثلها مثل سها تماما ولكن ليس بالضرورة تلك النظرة للأثرياء بأنهم بلا قلب أو أنهم يستغلون ثرائهم من أجل رفاهيتهم دون الشعور بغيرهم، الثراء ليس ذنب أو شيء قبيح يجعل أصحابه سيئون، هذا ليس صحيح تماما، كل إنسان بداخله الخير والشر، وهو من يميل إلى الخير ومقاومة الشر حتى وإن خفق حينا فلا ييأس ويستمر في مقاومة الشر ويظل الصراع بداخله حتى يأتي أجله، فإن ظل يحارب شره وغلب خيره فله الخير والنعيم وإذا استسلم لشره والغلبة له فله الشر والجحيم وليعاذ بالله، لا علاقة بالغنى ولا الفقر في ذلك، ليس كل عظيم فقير وليس كل فاسد ثري....


كانت ماهيتاب بعد انفصالها عن زوجها حاولت البحث عن شيء نافع وهادف تفعله، فكانت تسعى في الخير وجمع التبرعات للفقراء والمرضى، كانت تحب دائما بصفة دورية التبرع بالدم للمرضى وبالمال وتتفقد دائما الجمعيات الخيرية ومحو الأمية ورعاية أيتام وغيرها من المساعدات التي ترغب أن تكفر عن ذنوبها وتدخل بها الجنة، ولكن وبحكم بيئتها وأنها لا تجد من يشجعها على الحجاب أو الحشمة في ملابسها وغيرها من الذنوب، وتود التقرب من ياسمين لعلها تشجعها لإصلاح نفسها والحجاب الذي طالما رغبت أن ترتديه وبشده ولكن ما زالت تشعر أنها لا تستطيع القيام بهذه الخطوة..

كان الجميع في الحفل سعيدا ماعدا سها، احضر ماجد الكثير من الكعك المحلى بالشيكولاة لأنه يعلم ياسمين تعشق الشيكولاة، ولكن كما هو معتاد اختلاف أزواقهم فالجميع يحب الكعكة بالكريمة ولكن وحدها ياسمين المختلفة.
أخبر زكي الجميع بشأن تسوية معاشه ورغبته بشراء قصر كبير يجمع بينهم، أقبل ماجد تجاه ياسمين فهو قلق بشأن موافقتها بهذا الشأن.
قال ماجد: ما رأيك يا ياسمين بهذه الفكرة، فكرة القصر؟
قالت ياسمين: أعجبتني بالتأكيد، أود التقرب من والديك وكأنهم والدي ولاسيما والدك زكي حتى يعوضني عن والدي الذي فقدته وأنا بعمر الحادية عشر.
شعر ماجد بالأسى على ياسمين، فيبدو أنها عانت كثيرا، وأن اعتقاده أنه من حُرم العطف رغم وجود والديه، فماذا عن ياسمين إذن؟ علم أنه منعم بالكثير من النعم ورغم ذلك يبحث عما ينقصه ليشعر أنه محروم.

ثم قال ماجد: كم هذا مريح، خفت ألا تعجبك الفكرة.
قالت ياسمين: ولم لا تعجبني؟
قال ماجد: لأنك اخبرتني أنك لا تحبين المنزل الكبير الواسع وأخترتي منزلنا الصغير.
قالت ياسمين: هذا لأننا كنا أنا وأنت فقط فلماذا نحتاج إلى منزل كبير إذن؟ ولكن منزل كبير يجمع عائلة كبيرة هذا شيء جميل.
قال ماجد: لقد فهمت عليكِ، كيف تعلمتي كل هذه الحكمة؟
ضحكت ياسمين وقالت: لا تحرجني يا ماجد.


جاءت والدة ماجد واخبرته أنها تريد التحدث معه قليلا، وأخبرت ياسمين أنها سعيدة أنهم سيجتمعوا قريبا فهي تشتاق إلى جو العائلة.
قالت ياسمين: وانا أيضا احب جو العائلة كثيرا.
قالت إلهام: ما أجملك يا ياسمين، حقا أحببتك، ثم قالت: سأخذ ماجد قليلا.
قالت ياسمين: حسناً.

أرادت إلهام ان تخبر ماجد أنها ستعينه مديرا بدلا منها لمدرستهم الخاصة، وأن ماهر صاحب شركة ولا يحتاج لهذا العمل ولكن ماجد يعمل بشركة قطاع خاص ويستطع تركها ويعمل في أملاكهم أفضل، رحب ماجد كثيرا بهذه الفكرة، فبعد حمل ياسمين وتركها للعمل، أصبحت الشركة لا تطاق وكان يود تركها بالفعل.

وفي أثناء حديث ماجد ووالدته أقبلت ماهيتاب تجاه ياسمين.
قالت ماهيتاب: كم كنت أود التعرف عليك والتقرب منك، لأني متعجبة كيف لكِ بتغير أسرة كاملة بهذه السرعة؟
قالت ياسمين: ليس الأمر كذلك، الله وحده القادر على تغيير البشر، فكل ما فعلته أني ألجأ إلى الله وأضرع إليه بمخاوفي، هذا فقط، فإني لم أفعل شيء، انا ما زالت أجاهد نفسي لإصلاحها.
قالت ماهيتاب: سحرتيني بكلامك، كم انتِ متواضعة وجميلة، هذه اول مرة أتحدث معكِ فيها وأشعر بارتياح وراحة معك، هل هناك مجال لان نصبح أصدقاء؟
قالت ياسمين: لا تبالغي كثيرا، فلست إلا فتاة عادية ومنّ الله علي ويمنّ علي دائما أبدا، وبالتأكيد ارحب بصدقاتك.
ثم تبادولوا ارقام هواتفهم وذهبت ماهيتاب.

كان يتطلع إليهم يوسف وكذلك سها، سها كانت تشعر بالغيرة والحقد أكثر فأكثر، حتى ماهيتاب صديقتها تنجذب لتلك الفتاة، ماذا بها يجذب الأخرين؟
أما يوسف كان يشعر أن وجه ماهيتاب مألوف وكأنه رأها من قبل، وظل يراقبها طوال الحفلة وانتظر ليسأل ياسمين عنها.

بعد الحفل بحثت سها على الأنترنت عن تجارب سحر ومن يساعدها في خطتها، وبالفعل وجدت رقم لساحر ووجدت تعليقات كثيرة بمدحه وقررت ان تذهب إليه..

وفي اليوم التالي ذهب ماجد لتقديم استقالته هو وياسمين، لأن ياسمين حامل وهو سيعمل بمدرسة والدته، حينما علم الموظفون بحمل ياسمين قالت لمياء في نفسها: اسرعت لتنجب منه طفلا لتتأكد من انه لن يتركها، فهي من المؤكد تعلم أن ماجد سيمل منها ويتركها، يالها من خبيثة؛ أما خلود رغم أنها فرحت بحمل ياسمين حزنت لأنها ستترك العمل، فياسمين حنونة ودائما تساعدها وتشعرها بالامان.
قررت خلود ان تزور ياسمين بمنزلها لتبارك لها وتخبرها انها تود ان يصبحوا اصدقاء وكل منهم يحكي مع الأخر اخبار بعض، رحبت ياسمين كثيرا وقالت لها: بكل تأكيد وشكرا لك لزيارتك هذه، لقد اسعدتني حقا.

بعد مرور شهر بدأت خلافات بين ياسمين وماجد لأن بحكم ظروف حمل ياسمين أصبحت تقصر في أمور المنزل، وبدأ ماجد يضجر ولا يستطيع التحمل، غضب عليها كثيرا وقال: إذا كنت لا تستطعين الأهتمام بالمنزل بسبب حملك فلما ترفضين أن نأتي بخادمة؟
ظلت تبكي ياسمين وقالت: الأمر لا يحتاج لخادمة، فهي لم تعتاد خدمة أحد لها، وأني أحاول ان أنهي الأمور بنفسي ولكني أبطئ قليلا، ويجب عليك ان تصبر فقط.
قال ماجد: لا أفهم ما هذا الهراء؟ كيف لا نحتاج لخادمة؟ هل لأنك تغارين أم ماذا؟ أنا حقا لم أعد أتحمل.
حاولت أن تشرح له لماذا رفضت وجود خادمة ولكن لم يعطيها فرصة من شدة غضبه، فقررت أن تذهب لوالدتها وهو وافق على الفور واوصلها المنزل.

فوجئ يوسف ووالدته بمجيء ياسمين، وأخبرهم ماجد أنه يعتذر لهم على الزيارة المفاجأة وأن يبدو ياسمين تحتاج لرعاية اكتر ولهذا أراد أن يحضرها هنا، ثم ذهب.
غضب يوسف كثيرا من ماجد وحاول أن يهدئ ياسمين وهو من أراد من يهدئه، وقال لها: هذه الأمور تحدث كثيرا بين الازواج، ويبدو انه غاضب وسيهدأ ويقوم بمصالحتك، ولا تقلقي أنا بجانبك، وحقا سعيد بأنك ستعيشي معنا بعض الوقت.

ذهب ماجد لعمله وظل طول اليوم غاضب على الموظفين، وعند عودته للمنزل شعر بأنه بحاجة ليهدأ قليلا وطلب مقابلة أخيه في النادي ليسترخي قليلا، ثم قص له ما حدث.
قال ماهر: هل علمت من زوجتك ما سبب رفضها للخادمة؟
قال ماجد: لا، فغضبي لم يجعلني أسمعها حتى.
قال ماهر: ما المشكلة ان تصبر عليها حتى بدون خادمة؟ ما العيب أن تكون انت خادمها وتساعدها؟
ثم تأمل قليلا وقال: ياليت سها كانت حامل، كنت سأخدمها طوال الوقت ولن أمل أبدا، فالنساء يتألمون كثيرا أثناء فترة الحمل، كيف لك ألا تتنازل قليلا وتتحمل بعض أعباء المنزل من أجل ذلك الصغير المنتظر.

بعد التفكير شعر أنه أخطأ بحق ياسمين كثيرا وهذا ما زاد غضبه وقرر أن يذهب لمنزل والدتها ويحاول مصالحتا وأصطحابها للمنزل...

تواصلت سها مع ذلك الساحر وطلب منها أن تحضر مبلغ وسيعطيها ما تريد، وبالفعل بعد أن أعطته المعلومات عن ماجد وياسمين، أخبرها أنه سيعطيها العمل يوم غد، وعليها أن تقوم بوضعه في طعامها حتى تحصل على ما تريد.
سألته هل يجب أن تعطيها العمل غدا ام أي وقت تشاء.
أخبرها لا صلاحية للسحر فقط إذا أتيح لها الفرصة تضعه في طعامها...

فكرت كيف ستعطيها هذا العمل وهي لا تستطيع إطعامها شيء وتذكرت بموضوع القصر وأنهم في وقت قريب سيعيشوا معا وقتها هذه فرصتها لتضعه لها، ويجب عليها أن تصبر حتى يعيشوا بالقصر معا....

بعد ذهاب ماجد إلى منزل ياسمين، أعتذر عن طريقته التي تحدث بها وأنه حقا يشعر بالخجل من تصرفه.
قالت والدة ياسمين: لا عليك يا بني، فأنت مثل ابني يوسف تماما.
ثم ذهبت لإحضار الطعام له.
ذهب ماجد ليتصالح مع ياسمين، وقال لها: أنا حقا أعتذر عما بدر مني.
قالت ياسمين: لا عليك، حصل خير.
قال ماجد: ولكن هناك سؤال يحيرني، لماذا ترفضين ان نحضر خادمة؟
قالت ياسمين: أسمع يا ماجد، إذا اتيت بخادمة شابة فسأشعر بالاسى عليها لأنها شابة مثلي مثلها فلما تخدمني إذن؟ وإذا كانت كبيرة بالعمر فسأشعر بالاسى أنها أحق بمن يخدمها وليس العكس.
قال ماجد: يالا قلبك يا ياسمين، لم يخطر ببالي هذا النبل بأخلاقك.
قالت ياسمين: من الجيد أنك فهمت قصدي، ولكن مازلت ارغب بالبقاء مع أمي حتى أشعر بتحسن ثم اعود للمنزل.

أحضرت الأم الطعام ونادت على الجميع وأثناء الطعام أخبرهم ماجد أنه يريد ان تعود ياسمين للمنزل ولكنها رافضة.
قالت الام: أذهبي مع زوجك يا ياسمين فقد أعتذر منك، وإذا أردت المجيء فلتأتي وأنتم ليسوا على خلاف.
قالت ياسمين: لقد تصالحنا ولكن اود البقاء هنا.
قالت الأم: أعلم انكم تصالحتم ولكن لو لم تعودي معه سيشعر أنك مازلت غاضبة منه، وبعد أن تصبح الامور بخير فتأتي وقت ما شئتِ.
قال ماجد: لقد علمت يا ياسمين لما انت حكيمة، كم انك حكيمة جدا يا حماتي.
ضحك الجميع ماعدا يوسف كان غاضب من ماجد.
ثم قال ماجد: هيا أذهبي يا ياسمين جهزي حالك، ثم وضع ذراعه فوق عنق يوسف وقال: وأنا ساتحدث إلى صهري قليلا.

قال ماجد ليوسف: أعلم أنك غاضب مني ولكن أعذريني لا أعلم كيف فعلت هذا؟
قال يوسف: كنت اود أن ألكم وجهك فأنا لا أتحمل حزن أختي وبكائها ولكن حاولت أن أتمالك نفسي فأنت زوج أختي.
قال ماجد: أعتذر حقا عما حدث، فطبعي المنظم والدقيق ولا يتحمل الفوضى مهما كانت بسيطة غلبني، وأعدك أنه لن يتكرر هذا.
قال يوسف: أنا اعلم ان المشاكل الزوجية والخلافات لا تخلو من أي منزل، ولكن حاولوا ألا يشعر احد بذلك، فإذا حدث شجار بينكم او خلاف لا يجب ان يعلم به أحد.
قال ماجد: لديك كل الحق، لم ألتفت إلى هذه النقطة، أنا أحتاج إلى الكثير من التعلم ومازلت أتعلم من ياسمين.
قال يوسف: كم أنت بائس، ياسمين هي من تعلمك فهي حمقاء، الآن أطمئننت عليك.
ضحك الأثنان وارادوا أن يلعبوا بالالعاب الإلكترونية حتى تنتهي ياسمين من تجهيز حالها.
نظرت ياسمين على إنسجامهم ولم تحب أن تقاطعهم، وشعرت بالسعادة لتقربهم من بعضهم البعض، وشكرت الله أنها ظلت تدعو بحول الله وقوته ان لا يستمر الخلاف، ولم تبيت في منزل أمها ليلة واحدة حتى عادت منزلها، هكذا هو اليقين في الله...

فاتنة ليست فاتنة ج٦

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author
Aya
Aya