عادت إلهام إلى المنزل وبحثت عن زوجها في المنزل وظلت تنادي عليه أين أنت يا زكي، تعجب زكي من طريقتها وظن ان هناك مشكلة وأجابها أنا هنا يا إلهام أجلس بالشرفة، جاءت إليه مسرعة.
قالت له: أريد التحدث إليك قليلا، أشعر بأني إلى حاجة لمن يساعدني بترتيب أفكاري، ولا أجد سواك يا شريك عمري.
نظر لها في تعجب تام وشعر أنه لا يفهم شيء ثم قال لها: ما الأمر عزيزتي، هل أصابكِ مكروه؟
قالت له: ليس كذلك بالضبط ولكن أشعر بأني أريد التحدث معك.
قال لها: هذا ما يقلقني، أنتِ في العادة تشعري أن الحديث هو مضيعة للوقت وأن الوقت للفعل فقط، لهذا أنا أتعجب...
قالت له: إذا سمعت لحديثي فستفهم كل شيء.
أخبرته بما قصته عليها صديقتها جليلة وأخبرته أنها شعرت وكأن العمر مضى وتقدمت بالعمر دون أن تشعر، وأنها تخشى أنها تسير بالطريق الخاطئ، وتتسأل ماذا لو حدث لي شيء مشابه لجليلة ماذا ستشعر ..
قال لها زوجها زكي: اهدئي عزيزتي أنا بجوارك، وانا أيضا أريد أن أخبركِ شيئا.
قالت له: ماذا هناك؟
قال لها: أشعر وأنني في أخر العمر وربما أجلي قد اقترب ولم أعد أقدر على العمل، لذا فأنا...
ثم قاطعته وقالت: لماذا تقول هذا يا زكي أنت لم تتقدم لهذه الدرجة.
قال لها: ومن يدري يا عزيزتي، الموت لا يعرف سن، كما أني أشعر باشتداد المرض علي رغم أني أبلغ من العمر الخامسة والخمسين إلا أني أشعر وكأني في السابعين من عمري.
قالت له: هل مرت الأعوام سريعا هكذا، هل سيتبدل حالنا إلى الهرم هكذا...
قال لها: لم أشعر بالعمر وهو يمر حقا، أشعر وكأنني محروم من كل شيء رغم أني تمتعت بكل متاع الحياة....
قالت له: يكفي كلامك هذا يا زكي أنت تجعلني أشعر بالخوف أكثر، فحديث جليلة وحديثك يجعلني أشعر بالضيق.
قال لها: لذلك عزيزتي قد قررت شيئان وأريد دعمك لي حتى نعيش ما تبقى من العمر حياة أفضل؛ قررت أن أسوي معاش مبكر لأني لم أعد قادر على العمل، ثم صمت وكأنه يترقب رد فعلها حتى يخبرها بالقرار الثاني..
قالت له: هذا أفضل بالتأكيد وسأقوم بتعين مديرا للمدرسة بدلا مني وهو ابني ماجد حتى أقضي وقتي معك ونعوض ما فات من عمرنا منشغلين بالعمل، وماذا عن القرار الثاني.
قال لها وعليه علامات الراحة: هذا جيد، من الجيد تقبلك للأمر وما لم أتوقعه أنك ستقررين مثلي، حتى أنني لا أستطيع تصديق هذا التغير الكبير؛ والقرار الثاني أنني سأشتري قصرا كبيرا نعيش فيه جميعا معا أنا وأنتي وماهر وماجد وزوجاتهم وأحفادنا في المستقبل، وهذا سيجعلنا نشعر بالعائلة والجو الأسري أكثر ونعوض ما لم نعيشه وحرمنا أنفسنا منه.
قالت له: هذه فكرة جيدة ويبدو أنها جاءت في الوقت المناسب حتى أشعر بالامان أكثر.
قال لها: لقد خشيت الموت وأنا وحدي بالمنزل أريد أن نكون جميعا معا.
قالت له: أرجوك يا زكي لا أريد سماع هذه الكلمات مرة أخرى، مهما كنت امرأة قاسية القلب، فالتفكير بما تقول يجعلني أشعرى بالضعف، لا أستطيع أن أكمل حياتي بدونك، أعلم أنني أتركك وأسافر كثيرا ولا نجلس معا إلا بالكاد ولكن أنام وأنا أشعر بالراحة أنك بجواري وأنك موجود.
قال لها: فلننسى ما مر من عمرنا ونبدأ من جديد وأنتظر بشوق ولهفة لأحفاد أعيش معهم وأقضي كل وقتي معهم لأعوض ما حرمت منه مع أولادي، نحن لم نحرمهم فقط من وقتنا ورعايتنا وعطفنا بل حرمنا أنفسنا هذا النعيم!
قالت له: أنت على حق ولكن الحياة كانت تبهرنا وتشغلنا وتسوق بنا حيث تريد، وكأننا من الغافلين ولو لم أقابل صديقتي لأسمع قصتها ربما لاستمريت على ما كنت عليه، حديث صديقتي كالصفعة على وجهي لتوقظني من غفلتي.
قال زكي: الحمد لله لقد استجبت دعائي وأمنت خوفي ودبرت أمري يا الله.
قالت إلهام: اي دعاء تقصد؟
قال زكي: كنت قلق بشأن إخبارك بتسوية معاشي فاستشرت ماجد ماذا أفعل ولم يجد حل سوى ما تعلمه من ياسمين، حقا تلك الفتاة رائعة وهي حقا من ستملأ المنزل بالدفئ والحنان الذي لم نشعر به من قبل وستنير عتمتنا وستعيد الروح لمنزل كان بلا روح...
قالت إلهام: يبدو أنك على صواب يا زكي، وأني كنت على خطأ حينما كنت رافضة زواج ماجد منها، ولكن ماذا تعلم ماجد منها؟
قال زكي: أخبرته أنها كلما قلقت بأمر شيء أو شعرت بالخوف ظلت تدعو الله أن يأمن خوفها وييسر أمرها ويدبره من غير حول منها ولا قوة أي من غير ما تفعل شيء لأنها لا تستطيع فعل شيء وتشعر أنها لا حيلة لها ولا سبيل، وهذا ما كنت أشعر به بالفعل أنني لا أستطيع أجد ما يقنعك أو يجنبني خلافك ولكن بالدعاء حدثت المعجزة.
قالت إلهام: هل إلى هذه الدرجة هذه البنت البسيطة تملك الكثير؟ بسببها ولرعاية الله لها حدث ما لم نتوقع أنه يحدث لنا، لقد تغيرنا وتغير تفكيرنا في لمح البصر، أنا حقا أشعر بأني أحتاج وجودها والقرب منها وفكرة القصر الكبير الذي سنعيش فيه جميعا فكرة جيدة..
خطر ببال سها فكرة للتفريق بين ماجد وياسمين وتسألت كيف أنها لم يخطر ببالها هذا الأمر من قبل، ولكن تحتاج إلى بعض الوقت والتفكير لإيجاد الوسيلة والوقت المناسب لتنفيذ الأمر حتى لا تخفق هذه المرة....
ذهبت سها لتقابل ماهيتاب لتخبرها بخطتها الجديدة والتي لا مجال لفشلها هذه المرة، تقابلوا بالنادي
وقالت سها: لقد علمت ماذا سنفعل ولكن ما ينقصني هو كيف؟
قالت ماهيتاب: ماذا سنفعل؟
قالت سها: السحر، هناك قصص كتيرة عن السحر وأنه يفسد العلاقات حتى أنه هناك سحر للمرض والموت والخراب وغيرها.
قالت ماهيتاب: لا، لا، لا أوافقك تماما، السحر شيء بشع، هذا كفر يا سها أي من يفعله يدخل النار حتما.
قالت سها: نحن لن نفعله، الساحر هو من يفعله وهو من سيُعاقب.
قالت ماهيتاب: ما هذا الهراء، بالطبع سيُعاقب الساحر والذي طلب السحر.
قالت سها: لقد أخفقت في كل محاولاتي ولم يبقى لي سوى هذا الحل ولو لم ترغبي أن تساعديني فلا يهم.
قالت ماهيتاب: ولما كل هذا الحقد والحسد والكراهية، فلتتركيها بحالها وأنت بحالك، هي لم تؤذيكِ حتى، كما أنك لا تحبين ماجد وتعشقين زوجك ماهر، فما المشكلة إذن لتفعلي هذا الأمر!
قالت سها: لم أكن أحمل كل هذه الكراهية ولكن إخفاق جميع محاولاتي للتفرقة بينهم جعلني أشعر وأن الموضوع تحدي أنها لن تنتصر علي، لا أحب أشعر بالهزيمة.
قالت ماهيتاب: لا بل أنتِ لا تجدين ما يشغلك عن حياة غيرك، لم تشعري بالشقاء وما إن أردتي شيئا وجدتهِ، وهذا ما جعلك لا تستطيعي إيقاف الوحش الذي بداخلك، لأنه يتغذى على الكراهية والحقد ولن يهنأ حتى تؤذي من حولك حتى أنكِ ستأذي نفسك كثيرا! أتعلمين إنني حقا نادمة لإلغاء عقلي وإتباع تعليماتك ولكن من الجيد أنني استعدت عقلي وندمت، استمري وحدك في إحراق نفسك.
قالت سها: وهي تبكي، لا، لا تتركيني يا ماهيتاب فليس لي أحد سواك، ليس لي أخوة ولا حتى أستطيع التحدث مع أمي أنت كل شيء لي لا تتركيني.
قالت ماهيتاب وكأنها تشعر أنها انفعلت أكثر من اللازم: اسمعيني يا سها أنت تحتاجين لأن تشغلي وقتك لماذا لا تفكرين في إنجاب أطفال؟ صدقيني ياليتني أحسنت أختيار زوجي وأستطاعت أن أنجب أطفال ولكن أخفق زواجي سريعا وكنت أتمنى ولو كنت انفصلت وأنا معي طفل أو أكثر ولكن هذا هو قدري، أنت لديك كل شيء ولكن لا تشعرين بالنعم، ماهر رجل أمين ولا يخون ويحبك كثيرا ولا يوجد ما يمنعك من إنجاب الأطفال، فكري مجددا في هذا الأمر، ستتحسني كثيرا.
قالت سها: لا أشعر أنني على استعداد لهذا الأمر، أنا لا أحتاج أن أنجب أطفال ثم أتركهم للمربيات كما عشت أنا، لا أريد أن أظلم أطفالي كما ظُلمت أنا، أتعلمين إنني بحاجة لتغير جو في أحد البلاد الأوروبية وسأخبر ماهر بالأمر، ربما أعود أفضل.
قالت ماهيتاب: هذه فكرة جيدة وإذا أردت أن أذهب معكِ فسأقوم بتدبير أمور العمل وأذهب معكِ.
قالت سها: لا عليك يا صديقتي، أحتاج بعض الوقت مع نفسي، سأذهب وحدي.
قالت ماهيتاب: كما تشائين، أتمنى لكِ رحلة ممتعة وخذي حذرك على نفسك.
فكرت سها أنها ستذهب للسفر وحدها حتى تذهب لطبيب نفسي ربما تتحسن حالتها أفضل وتستطيع أن تفكر بهدوء كيف تصل لهدفها....
ذهبت ياسمين إلى والدتها وأخيها يوسف، وحينما قابلها يوسف وهذه أول زيارة بعد الزواج.
قال يوسف: لقد أشتقت إليكِ كثيرا أختي، كيف حالك بدوني؟
ضحكت ياسمين وقالت: وأنا أيضا أشتاق إليك وإلى أمي، وأنا بخير الحمد لله ولكن كيف حالكم أنتم بدوني؟
أجابها مازحا: في أحسن حال، البيت مليء بالهدوء وأشيائي بمكانها، ولا أحد يعبث بملابسي ويرتديها غيري، وليس هناك من يطلب مني كل يوم قطع الشيكولاة، أو يستدين بالمال مني لأن راتبه نفد، وظل يضحك.
قالت ياسمين: كم أنت غليظ، هل كنت أزعجك إلى هذه الدرجة؟
قال يوسف: فقط كنت أمازحك، أنتِ تعلمين كم المنزل عمهُ الظلام بعد ما ذهبت وقلبي كاد أن يتحطم من الفراغ الذي تركتيه ولكن حاولت أن أعتاد الأمر، وحينما علمت بزيارتك، أحضرت علبة الشيكولاة التي تعشقيناها.
قامت ياسمين باحتضان أخيها وأنزلت دموعها وقالت: أخي، كم أشتاق لك.
قال يوسف: هل كل هذا من أجل علبة الشيكولاة؟
قالت ياسمين: كف عن العبث بي وهي تمسح دموعها.
قال يوسف: أتريدين أن نكمل هذه الزيارة في البكاء؟ أو ان تكُفِ عن هذا الكلام بلا فائدة وأخبريني المفيد، ما أخبار الزواج؟ وابتسم ابتسامة ماكرة.
شعرت ياسمين بالخجل وأحمرت وجنتايها ولا تستطيع إخفاء ابتسامتها ونظرت في الأرض ولم تستطع أنت تنطق بكلمة.
قال يوسف: ما هذا أخيرا ياسمين تشعر بالخجل! الزواج يغير كثيرا.
قالت ياسمين: ماذا تقصد هل أنا لم أكن أخجل من قبل.
ضحك يوسف: رغم أني أمازحك ولكن لا لم أراكِ خجولة من قبل.
صاحت ياسمين وقالت: ماما يا ماما لا تتركيني وحدي مع هذا الغليظ.
قال يوسف: لا تحاولي الهروب من سؤالي، فربما أتشجع وأخذ هذه الخطوة وأتزوج.
قالت ياسمين: توقف يا أخي، فأنا حقا أشعر بالخجل.
أتت والدتهم وسألت: ماذا هناك يا ياسمين؟ ماذا هناك يا يوسف؟ أليست هذه ياسمين التي كنت تشتاق لها وتشعر بالحزن والوحدة بدونها؟ لمَ تضايقها الآن؟
قال يوسف: لم اضايقها يا أمي، فقط سألتها كيف أخبار الزواج وابتسم بمكر مجددا.
قالت والدتهم ابتهال وهي مبتسمة: وأنا أيضا لدي الفضول كيف حال الزواج؟
قالت ياسمين: ماذا أقول، هو جيد.
قال يوسف بابتسامة عريضة : جيد،، فقط؛ وأستمر في الضحك ثم قال: يكفي هذا يا امي فيبدو أنها لن تتحمل أكثر.
قالت الام: لديك حق يا ابني، هذا مجرد مزاح يا ابنتي، سأذهب لتقديم الطعام، قبل أن تأكلي الشيكولاة ولا تستطيعي أن تأكلين طعامك، ثم ذهبت.
وقضت ياسمين يوم جميل وشعرت بسعادة عارمة وظلت تدعو الله اللهم لك الحمد اللهم أدم نعمك علينا وبارك لنا فيها.
انتظرت ياسمين أن يأتي ماجد ليأخذها للمنزل وقبل أن يأتي سألتها والدتها وحدهما: أشعر أن وجهك شاحب قليلا هل تشعرين بأعراض ما غير معتادة؟
قالت ياسمين: ماذا تقصدين يا أمي؟
قالت الأم: أنتظر أن تفرحينا بأخبار ما، ألا تفهمين؟
قالت ياسمين: لا أعلم يا أمي.
قالت الأم: أنتظري بضعة أيام وقومي بتحليل.
قالت ياسمين: حسنا يا أمي.
جاء ماجد وأخذ ياسمين على المنزل وظلوا بتشاجرون بمزاح.
قالت ياسمين: لقد أهداني أخي يوسف علبة الشيكولاة التي أحبها كثيرا.
قال ماجد: هذا جيد، أعطيني واحدة.
قالت ياسمين: لقد أكلتها كلها فأنا عاشقة للشيكولاة ولا أستطيع أن أمنع نفسي منها.
قال ماجد: ماذا؟ انهيتي علبة شيكولاة وحدك، لو كنت مكانك كنت تركت لك قطعة أو اثنين.
قالت ياسمين: أعذريني حبيبي، المرة القادمة.
قال ماجد: إذا كنتِ تحبين الشيكولاة إلى هذه الدرجة فلما لم تأكلين قطع الشيكولاة التي أحضرتهم لك من قبل، أتذكرين؟
قالت ياسمين: يا لسواد قلبك، أمازلت تتذكر، لا عليك تستطيع ان تهديني غيرها وأعدك أنني سأكلها كلها وحدي.
وظل الشجار الرومانسي بينهم حتى عادوا المنزل...
أخبر ماهر موافقته على سفر سها وقررت سها السفر إلى باريس بأخر هذا الأسبوع، فهي تحتاج لمكان هادئ وحدها لتفكر جيدا في أمر خطتها والتي لم تتركها، ولكن أوهمت صديقتها أنها ستترك الفكرة حتى لا تخبر أحد أو تمنعها وتكون عقبة أمامها...
ظلت تفكر ياسمين بكلام والدتها حتى أنها فكرت لتقوم بعمل التحليل دون معرفة أحد، استيقظت باكرا وبعد ذهاب ماجد للعمل وهي أخبرته أنها تود أن ترتاح بالمنزل هذا اليوم فهي تشعر ببعض الأرق.
ذهب ماجد وقال لها: خذي قسطك من الراحة عزيزتي، وسأطمئن عليكِ من وقت للأخر، سأذهب الآن.
ذهبت ياسمين لإجراء الاختبار بمعمل قريب وانتظرت حتى علمت بخبر حملها، لم تصدق نفسها، واتصلت على الفور بوالدتها وأخبرتها بالخبر، ثم قامت بالاتصال بماجد ولم يتحمل فرحة هذا الخبر، وأغلق المكالمة وأستأذن المدير وعاد للمنزل سعيد وأخبر والدته ووالده وفرحوا كثيرا، شعر زكي وإلهام باقتراب الحلم وسيكون لديهم أحفاد.
علم ماهر بالخبر وفرح كثيرا وتذكر انه يشتاق بأن يكون له أطفال فشعر بالحزن أنه يريد أن يكون له طفل ولد أو بنت ولكن سها وعناد سها، أخبر ماهر سها ربما يحن قلبها وترغب بإنجاب أطفال، وبعد أن أخبرها تضايقت كثيرا وقررت أنه لا وقت للسفر يجب ان تلغي سفرتها حتى تبدأ بتنفيذ خطتها، فهي لا تستطيع التحمل أكثر ولكن قالت في نفسها: حتى لا يشك بي أحد، يجب أن أوهمهم أني ارغب بالإنجاب وأنها فكرة جيدة، حتى لا يراقبها أحد ويظن أني منشغلة عن ياسمين....
You must be logged in to post a comment.