فاتنة ليست فاتنة (الجزء السابع)

ذهبت ماهيتاب لمقابلة يوسف بعد أن تمت خطبتهم في أحد المطاعم.

قال يوسف وكان يبدو أنه جاد: ما كل هذا التأخير؟

قالت ماهيتاب: ألم نتفق أن نتقابل الساعة الخامسة؟ ظننت أنني أتيت بالميعاد.

ضحك يوسف وقال لها: كنت أمزح فقط، يجب عليكِ أن تعتادي الأمر.

قالت ماهيتاب: أنت دائما هكذا أحاديثك ممزوجة بالمزاح!

قال يوسف: ألا يعجبك هذا؟

قالت ماهيتاب: هذا أكثر ما جذبني لك، روحك الفكهاية وخفة ظلك تجعلني أشعر أنك طيب القلب وحسن العشرة.

قال يوسف وقد امسك بياقة قميصه: أحم، أحم، هذا أقل امكانياتي.

قالت ماهيتاب: لا فائدة...

ضحك الأثنان وبعد الانتهاء من الطعام، بدات ماهيتاب بالحديث..

ماهيتاب: أريد أن أسألك سؤال هام.

يوسف: ماذا؟

ماهيتاب: لماذا فكرت في الارتباط بي بهذه السرعة؟ أنت لم تراني سوى مرات معدودة.

أعتدل يوسف وقال: في الحقيقة أنا لا أحب التعرف بشكل غير رسمي لمن أنوي الزواج بها، ولكنني لم أجد من أشعر براحة تجهها كما شعرت معكِ حينما رأيتك أول مرة بحفل السيد زكي.

قالت ماهيتاب: وهل الشعور بالراحة يكفي تطلعاتك في الارتباط؟

قال يوسف: أشعر أن هناك سؤال خفي وراء سؤالك هذا، إذا كنت أكثر صراحة سيكون أفضل.

قالت ماهيتاب: يبدو أنك لست مرح فقط وذكي أيضاً، في الحقيقة شعرت أنك بشخصيتك تحب الحشمة والحجاب وأنا لست كذلك، فكنت أريد معرفة ما بداخلك في هذه النقطة، هل ستجبرني على أرتداء الحجاب بعد الزواج أو ماذا؟

قال يوسف: حسنا، سأجيبك على كل أسئلتك، بالفعل أنا أتطلع للزواج من محتشمة ومحجبة وعلى خلق وتتبع فروض دينها ولكن ليس هذا وحده فيجب ان أشعر براحة وقبول تجهها وهذا حدث معك ولن أخفي عليكِ أنني كنت أقاوم هذا الشعور بسبب أننا مختلفين عن بعضنا تماما، ليس بسبب الفروق الاجتماعية فأنا أثق بنفسي كثيرا وأعلم أن هذه النقطة لا تقلل مني أو من أي شاب وفتاة مثل حالنا، ولكن فروق التفكير وتطلع كل طرف ولأنني أعي تماما وأريدك تركيزي جيدا في هذه النقطة أني إذا قررت الارتباط بك لن أجبرك على الحجاب على الإطلاق، وإذا كنت أود ان أتزوج محجبة لاختارتها محجبة قبل الاتباط بها لكن ليس صحيح أن أختار غير محجبة وأجبرها على الحجاب، فأنا مؤمن أن الحجاب والاحتشام يكون من أجل رضا الله فيجب أن يكون بحب ورضا من الشخص نفسه لا لإرضاء زوج أو أب او أخ فقط لرضا الله، لهذا يجب أن يكون قرارك أنت، لذلك كنت متردد بعض الشيء لأخذ خطوة الارتباط فقررت أن أستخير الله وهو من يرشدني إن كنت خير لي ييسر أمري ويهديك لرضاه وإن كان هذا الأمر شر فليبعدني عنه، وخصوصا وإن أمر لقاءنا ليس معلوم، أي أني لا أعلم متى سأراك، فربما لم أعد اراك مجددا، وكنت لست مخطط للذهاب بأي مكان، وفوجئت بمكالمة من صديق لي أنه سيذهب الجمعية ويريدني أذهب معه، تعجبت ثم قلت لنفسي ومن قال أنه بالضرورة سأراك فأنت لا تذهبين إلا كل فترة مثل أي شخص، العجيب أنني وجدتك وكلما ذهبت بعيدا عنك يقودني القدر إليك، شعرت أنها إشارة بأنك خير لي، فأخبرت نفسي ربما ترفضين طلبي أو ترفض أسرتك أو يحدث ما يعيق هذه الزيجة ولكن كل الأمور كانت ميسرة تيسرا، تأكدت وقتها أنك خير لي.

 

قالت ماهيتاب: لقد أسعدتني صراحتك كثيرا، ولكن هل ستشعر بخيبة أمل إن لم أتحجب؟

قال يوسف: سأظل أدعو الله لك الهداية وانا على يقين أنك لو ليس بداخلك خير لن ييسر الله خطبتنا، كلها أشارات متصلة وتيسر زواجنا أشارة لحجابك، لكن صدقيني سأصبر حتى ذلك الوقت مهما طال.

قالت ماهيتاب: أرحتني من هذه النقطة وأردت أن أخبرك أنا الأخرى بشيء، في الحقيقة أنت على صواب، أنا بالفعل أفكر في الحجاب والملابس المحتشمة منذ بضع سنين وخاصة بعد تجربة زواجي السابق، كنت أشعر براحة للحجاب وأني أرغب بارتدائه ولكن دائما أتردد وأريد من يشجعني ويطمئني وأن أكون قادرة على الالتزام به وعدم تركه، ورغم أنني لم أستطع أن أخطو هذه الخطوة حاولت أن أفعل ما يقربني إلى الله وأفتح باب رحمة بيني وبين ربي لعله يتقبل مني وأستطيع أن اكون في حال افضل على ما أنا عليه، فكنت أذهب من الحين للأخر للجمعيات الخيرية وأكون رحيمة بغيري.

قال يوسف: ارأيتِ؟ رغم عدم معرفتي بكل هذا إلا أني كنت على ثقة بأن فيك الخير.

قالت ماهيتاب: أنا حقا سعيدة بالحديث معك، أشعر وكأننا نعرف بعضنا منذ سنين.

قال يوسف: نفس الشعور، لذلك لن نطيل فترة الخطوبة وسنتزوج قريبا.

قالت ماهيتاب: ولمَ العجلة؟ 

قال يوسف: ألم يعجبك الأمر؟

قالت ماهيتاب بخجل وفرحة: لا ليس الأمر كذلك ولكن.. ربما.. 

قاطعها يوسف: لا تقلقي، كل شيء سيكون على ما يرام.

قالت ماهيتاب: الحمد لله، أشعر أن الله قد عوضني؛ ثم أكملت ولكن هل أنت مُصر أن نتزوج بمنزلك ونترك منزلي.

قال يوسف: بكل تأكيد، هذا كان أول شيء أردت موافقتك عليه بعد موافقتك على الزواج بي.

قالت ماهيتاب: هل نترك منزل كبير ونسكن بمنزل صغير؟

قال يوسف: المنزل الصغير يكفي لحاجتنا، وأنا لن أعيش في منزل زوجتي أبدا.

قالت ماهيتاب: وما المشكلة؟ هذا المنزل أعيش فيه وحدي، وأبي وأمي يعيشوا بالخارج، وإذا كنت رافض ان نعيش به فماذا سنفعل به إذن؟ وخاصة أني أرفض بيعه أو تأجيره.

قال يوسف: لقد وافقتي بما تقدمت به، أنتِ الآن من تريدي أن تغيريني؛ وظل يضحك ثم قال: لا أعلم ماذا سنفعل بالمنزل حاليا ولكن سأفكر بالأمر لحل هذه النقطة، أما عن أين سنسكن فكلامي واحد.

قالت ماهيتاب: لديك حق، يبدو أنني من كنت أنوي إجبارك، أعذرني، حسنا سأنتظر قرارك بخصوص منزلي، وسأعيش بمنزلك بالتأكيد.

قال يوسف: حقا سعيد بهذا الحديث، أصبحت جميع النقاط بيننا واضحة.

قالت ماهيتاب: وأنا أيضا سعيدة جدا بهذا اللقاء وسعيدة أنك خاطبي.

قال يوسف: وقريبا زوجك، لا تنسي.

شعرت ماهيتاب بسعادة عارمة لم تشعر هكذا من قبل، أوصلها يوسف المنزل وعاد يطمئن على أخته بمنزل السيد زكي وعلم منها أنها تنوي الذهب للعمرة وأن ماجد يمشي في إجراءات السفر، رحب بالفكرة كثيرا وقال: أراح الله قلبك وبالك وأعطاكِ من فضله.

 

اثناء سير ماجد بسيارته لإتمام بعض الإجراءات وقفت إشاراة المرور، وكانت بجواره نادي للألعاب الرياضية، رأى فيها مسابقة جري بين اطفال متلازمة داون وكانوا ماهرين جدا، وراى مجموعة أجرى تلعب ألعاب قوى ورفع أثقال، كان يود النزول من السيارة ويسالهم الاسئلة الخاصة بهؤلاء الأطفال ولكن فتحت الإشارة وكمل طريقه، عاد إلى المنزل وقد قرر أن يذهب إلى أماكن لرعاية هؤلاء الأطفال ليتعرف على مواهبهم وماذا يستطيع أن يقدم لطفله كما أنه يريد أن يتعامل معهم عن قرب ويحاول فهمهم أكثر، وحينما علمت ياسمين بهذا الأمر شجعته وأخبرته أنها ستذهب معه وسيكون هذا افضل وقت ممتع لها.

 

يوم عطلة ماجد ذهب مع ياسمين إلى أحد أماكن رعاية الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وقرروا دعمهم بالمال وشراء ألعاب أطفال كثيرة وطعام وحلوى، وتحدثوا مع أواياء أمورهم.

ونظرت هالة والدة الطفلة سيرين إلى ياسمين وسألتها : هل أنتِ تحملين بطفل داون؟ 

قالت: نعم.

قالت هالة: حينما علمت أني أحمل بطفل داون حزنت كثيرا وبعد استيعابي الأمر كنت أتسأل دائما، هل أستطيع تحمل هذه المسئولية؟ أخشى أن أقوم بالتقصير تجاه طفلتي أو لا أستطيع تحمل مسئوليتها، كنت لا أعلم من أين أبدأ أو كيف أبدأ؟ ماذا ستفعل من دوني؟ ماذا لو اقترب اجلي ولم يستطع أحد رعايتها؟ ماذا بشأن مستقبلها؟ وحينما وجدت نفسي أنني لا أصل إلى نتيجة بل أزداد قلق وهم وخوف تركت الأمر لصاحب الأمر، وسلمت أمري لله وتحدثت مع ربي أن لا يحملني ما لا طاقة لي به ويدبر عني الأمر فليس لي حول ولا قوة إلا به، ولم أفكر بالأمر وكأني أحمل طفل عادي، وبعد أنجابي لها وجدت الله يدبر لي كل أموري في رعايتها ومسئوليتها، لم أشعر بصعوبة في ما سأقدمه لها، بل أن الله يسر لي كل أمرها، لم أصدق نفسي حتى وتعجبت من نفسي، كيف لي أن شعرت باليأس وفقدان الأمل في فترة حملها، رغم أن الله كان يسهل لي أمورها منذ أن كانت ببطني، يسر لي معرفة أماكن لتنمية مهارتهم وإيجاد موهبتهم حتى وجدت موهبة ابنتي وهي الرسم والجري، لم أصدق أني كنت أحمل همها فرغم كل الكد والإجهاد لكن أشعر بسعادة وراحة في قربها أنسى بها الدنيا ومن عليها، يكفي نظرتها بحنان عليا وهي لا تفهم ماذا بي ولا تستطيع التعبير بالكلام جيدا ولكن الأمر بحول الله وقوته كان يتحسن وهذا بفضل ربي، تعلمت منها ألا أحمل هم غد واستمتع بالسعادة التي أشعر بها وأنا بجوارها وأن أترك الغد لرب الغد.

كان كل من ماجد وياسمين يستمعون ويتأثرون، ثم قالت ياسمين: أنا أيضا ظننت مثلك أن الأمر سيكون شاق علي وأحتاج إلى القراءة وحضور دروس للاستعداد لكن بعد سماع كلامك هذا أشعر وكأني كنت على خطأ فسأتركها كلها لله وسييسر أمر رعايته وتربيته دون حول مني ولا قوة.

ظل ماجد يتحدث للأطفال ويهديهم الألعاب ويحاول فهم حديثهم وشعر بسعادة عارمة، وبعد انتهاء يومهم أخبر ماجد ياسمين أن هذا من أجمل أيام حياته، وأنه ممنون جدا لها لأنها أصرت على استمرار حملها ولم تضعف أمام المخاوف التي واجهتهم، وسيكافئها بعلبة الشيكولاة المميزة..

 

لم تتمكن سها من محاولاتها البائسةةفي مضايقة ياسمين، فقد أصبحت ياسمين بفضل الله عليها أكثر قوة وصلابة في مواجهة كلام سها ومضايقتها، كما أنها أصبحت مشغولة بالاستعداد لرحلتها الأفضل وهي العمرة.

 

أتى يوم سفر كل من ياسمين وماجد وودعهم كل من الأسرتين أسرة ماجد وأسرة ياسمين في المطار وأخبر زكي زوجته إلهام أنه يرغب بأداء مناسك العمرة معها وسينتظر عودتهم سالمين ثم سيبدأ بتجهيز أوراق السفر، شعرت إلهام براحة من حديثه وأنها تنتظر هذا الوقت.

 

قائد الرحلة أخبر المعتمرين باختصار كيفية أداء مناسك العمرة وما يحرم فعله وما يحل فعله، وأخبرهم أن دعوة أول رؤية للكعبة مستجابة بإذن الله.

أول ما رأى كل منهم الكعبة رجوا من الله أن يرزقهم الذرية الصالحة السليمة المعافاة وأن يتولى أمرهم وأمر ذريتهم، وأنها راضية بقدرها وترجو أن يعينها ربها على أمرها.

قرر كل منهم ختم القرآن وصلاة قيام الليل وصلاة الفجر، وحينما ختم ماجد قراءة القرآن كان متعجب جدا وقال لياسمين: هذه أول مرة أختم قراءة القرآن في حياتي وختمته بعشرة أيام فقط، أشعر وكأني شخص أخر.

قالت ياسمين: هذا المكان الطاهر المبارك يساعدك كثيرا على عبادة الله، حتى أني خشيت أني لا أستطيع الطواف أو السعي بسبب ثقل حملي ولكن شعرت وكأن شخص يحملني ولم أشعر بصعوبة قط، سبحان الله.

 

مر الشهر وجاء وقت العودة إلى مصر، وعند المطار شعرت ياسمين بألام الولادة، اتصل ماجد بالأسعاف ثم اتصل بماهر وأخبره أن ياسمين بالمشفى وأنه بحاجة إليه، ذهب ماهر إليه على الفور.

قال ماهر: ماجد أخي، هل طفلك بخير؟

قال ماجد: إن شاء الله يا ماهر، هي تلد الآن.

ظل يدعوا الأثنان حتى خرجت الممرضة تحمل المولود الصغير، نظر ماجد لماهر وأخبره أن يحمله، حمل ماهر المولود ودمعت عيناه وظل يقبل يد الطفل وقدمه ويشعر أنه ابنه..

ذهب ماجد للاطمئنان على ياسمين وعلى المولود، أخبره الطبيب أن كل شيء على ما يرام، نظر ماجد إلى الطبيب ينتظر أن يخبره بشأن طفله ولكن ذهب الطبيب دون قول شيء.

فنادى عليه ماجد وقال: هل الطفل سليم؟

قال الطبيب: الحمد لله، بصحة جيدة.

قال ماجد: أقصد طفل طبيعي؟

قال الطبيب: ماذا تقصد؟ نعم طبيعي.

تعجب ماجد ثم قال: أليس طفل داون؟

قال الطبيب: لا، من أخبركم هذا؟

قال ماجد: الطبيب المتابع لحالتها.

قال الطبيب: أحيانا يخطئ الجهاز بهذا الشأن حسب جودة ودقة الجهاز وخبرة الطبيب، لكن هو بفضل الله طفل طبيعي وبصحة جيدة، مبارك لكم.

لم يصدق ماجد نفسه وسجد شكر لله باكيا وظل يحمد الله وينتظر إفاقة ياسمين لإخبارها بهذا الخبر.

طرق ماهر باب الغرفة وسأل ماجد عن صحة ياسمين والمولود وأدهشه ماجد بعلمه أن الطفل سليم وطبيعي، فرح ماهر وقال: حمدا لله على سلامتهم؛ وظل ينظر للطفل ثم أعطاه لماجد فهو لم يحمله حتى الآن، وشكره أن جعله أول من يحمله، وسأله ماذا تنوي تسميته؟ 

قال ماجد: سأنتظر الاطمئنان على ياسمين ونختار سويا الاسم، أريد أن أخبارها بهذا الخبر وكم أن الله لطيف ورحيم وجبار السموات والأرض، جبر بخاطرنا وراضانا.

بكى ماهر من شدة التأثر بكل هذا ثم ذهب ليأتي بشيء يأكله هو وماجد...

فاتنة ليست فاتنة ج٨

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author
Aya
Aya