قصة قصيرة " لها السّلام "

لها السّلام 👋

  منذ عرفتها، شعرت بإحساس غريب، كانت رعشةً في القلب، بَيْدَ أنّي لا أعرف أهي رعشة حبٍّ أم حنينٍ أم شوق؟ لا أدري ربما جميعهم، جَعَلَت تفكيري مُنزَويًا بها، تأسُرني بكل أوقاتي، أحسستُ عندها بنورٍ خارق، اخترق قلبي فلم يرَ النور بغيرها، لكن سرعان ما انتهت تلك الأحساس! 

   

فكرت كثيرًا كيف السبيل لدخولها؟؟ لرؤيتها بصورتها الحقيقية - غير صور التلفزيون ومواقع التواصل الإجتماعي - لم أكن أعلم أن رؤيتها صعبٌ جدًّا، كنتُ حينها بقلبِ طفلٍ يحنُّ لوالدته أو جدّته، كنتُ بريئًا لا أدري ما الّذي يحدث لي، بيدَ أنّي عندما استيقظتُ من غفلتي وعُدْتُ لواقعي، أحاطني الحزن من كل جانب، حينها صرختُ بحرقةٍ، ما الذي يجري؟؟

 

تنهدّتُ قليلًا ووقفتُ على شُرفةِ المنزل، أنظر وأترقب أين النّاس؟ أأنا في مدينتي؟ في بلدتي؟ أين أنا؟؟ أنا ضائع، تائه، أنحن في الليل أم في النهار؟؟ ربما ليلًا طويلًا لم ولن ينتهِيَ أبدًا!

 

مضت الأيّام والليالي، وما زالت لا تنفكُّ عن مخيلتي، حتى شعرتُ أنّي سأموت وأنا أتلفظ باسمها، وعندها استيقظتُ من منامي ذلك، ذهبتُ لجدّي وسألته عنها فأخبرني عنها حتى كاد الدمعُ يُغرقني!

 

قال لي جدّي كل العرب تخلوا عنها، وتركوها وحيدة، لم يجرؤ أيّ منهم للوقوف بجانبها، فقلتُ له وأين بلاد العُرب أوطاني؟ فقال لي كانت يا بُنَيّ، قبل أن يأتي المحتل فيقسّمنا فرقًا متناحرة، قبل أن يُشغلنا بأنفسنا عن نفسه! قبل ذلك كنا نصلي الفجر في الأقصى الذبيح! ونجتمع تحت الشجر في البستان نأكل الزيّت والزيتون - ولا ننسـى الحلاوة - ونصلي الظهر في دمشق، والعصر في عمّان، وثم نكملُ المسيرَ لبغداد، حتى جاءنا العدوّ الغاصب، فشردنا وصار منا اللاجئ والنازح!

 

أخبَرَني جدّي عن الأم التي دافعت عن الشجر والحجر قبل الابن والبيت حتى ارتقت شهيدةً تحت شجر الزيتون، أخبرني عن الشهيد الذي لم يرتوِ شبابه بَعد، أخبرني عن الأمِّ التي هربت فأخذت الوسادة ظنًّا منها أنها طفلها! أخبرني عن اللون الأحمر الذي غطّى المدن والحواري، وأخبرني عن الأسير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد، وأخبرني عن زغاريد أم الشهيد، وأخبرني عن أُمّ الشهيد التي خلطت حزنها بفرحها.

 

وكما قال تميم البرغوثي:

 

" في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها

 في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ..

رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،

قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى

 

وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً

تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ

 

في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ

 

في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ

في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ! "

 

في القدس يجعلون أبناءهم رموزًا للوطن، لفلسطين، فيُسمّون الطفل "وطن" والطفلة "فلسطين" ويسمّون الطفل أيضًا "صمود" والطفلة "تحرير"، فيتغلغل في الأطفال قلب ثائر، قلبُ الثورة.

 

وليت شعري ما الذي جعلني أكْبَر لأتألم هكذا؟ فلسطين أنتِ لنا، أنتِ للمسلم، أنتِ لستِ للعربيّ، فالعربي يخون والمسلم لا، فلسطين حبُّكِ أرّقَنِي، فلسطين أنتِ ساحرة، أنتِ فاتنة، جعلتِ القلب يهفو لكِ من دونِ رؤيتكِ، فلسطين ستعودين.

 

ستعود الكَرّةُ لنا، وعندها سيدُبّ الرعب قلوب بني صهيون وسنضرب فوق الأعناق وسنضرب كل بنان،  وسندخل المسجد الأقصى محررين كما دخلناه أوّلَ مرّة، وحينها سنقول بصوتٍ مرتفع " الله أكبر، الله أكبر، فلسطين إسلامية " فسيأتي وعدُ الآخرة، ووعدُ الله آت.

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author