لعل المستقي من خبرات الحياة وسنين العمر الطويلة سوف يدرك أن لا بيت أوسع من قلب أمه، ولا حنان أكبر من شفقتها، ولا اهتمام أوسع من عطفها وحنوّها، ولم لا؟ فهي التي ألقمتك ثديها من جوع، وأرضعتك حليبها من عطش، هي التي تسهر لتنام أنت، تشقى لتنعم أنت، تكد وتتعب لترتاح أنت... تسهر الليل لا لشيء ربما إلا لإيقاظك في يوم عمل أو دراسة، وتفتُّ الخبز وتمزجه بعرق الجبين ليطيب للسانك أنت ويلين.
وبعد هذا الجهد الجهيد والعناء الشديد ومكابدتها أنواع السقام وصنوف الآلام ماذا عليك أنت تجاهها؟ إن لها منك كل الفضل والمبادرة بالعزم والطاعة بالمعروف... فقابل سهرها الليل بقليل من وقتك، وتعبها النهار ببعض من تعبك، لا تكن عليها بخيلا فإنك بذلك إنما تبخل على نفسك، فأنت قطعة منها وهي كُلُّك، وأنت مسلك لبنها ومنتهى فؤادها.
قد تبادر أنت بالبر بها والعمل بما يرضيها لكنك لن ترد لها بذلك من فضلها إلا اليسير، أنت تسهر على مرضها تَعِباً من سهر، وقد كانت تسهر على مرضك متعبةً من طول التفكير بك، متحملةً لما فيه مكروهها وألمها، فإنك لن تقدر على رد جميلها، فأيُّ معروف يرقى إلى كل ما قدمته، ومن يستطيع أن يفيها ساعة من سهر او تعب أو ألم أو عناء، أو يقدم لها الشكر على ذلك، وكما قال الإمام زين العابدين (فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه).
ومما يعين على طاعة الأم والبرّ بها علمك أنت بفضلها والمداومة على ذكر محاسنها بين الناس وإخراج الصدقات عنها بعد وفاتها والتقرب ممن كانت هي تتقرب إليه وكثرة الدعاء والاستغفار لها (وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا)، فلا تقطع ذكرها بعد وفاتها ما دام لم ينقطع منك النّفَس.
You must be logged in to post a comment.