لعنة الرجل الغامض

كان هناك مكتبا مشهورا لكتابة الرسائل والمذكرات تعمل فيه بعض الفتيات الشابات وكانت أكفئهم فتاة تدعى هالة، وكانت هالة في الخامسة والعشرين من عمرها متوسطة القامة خمرية البشرة عيونها خضراء وشعرها أسود مموج، وكانت حياة هالة جيدة ولكنها تغيرت عندما جاء عميل يدعى سام إلى المكتب لكتابة مذكراته ولكن بلغة غريبة واشترط كتابة الجمل باللغة العربية.

كان سام يبدو في الثلاثين من عمره طويل القامة عيونه سوداء، بشرته بيضاء حد الشحوب، ويرتدي بدلة سوداء وقميص أسود ويرتدي قبعة سوداء؛ وتم اختيار هالة لكتابة تلك المذكرات نظرا لكفاءتها.

طلب سام من هالة عدم قراءة الجمل خلفه مهما بدت مختلفة ثم بدأ سام يلفظ بكلمات غريبة غير مفهومة وما على هالة إلا أن تكتب تلك الكلمات وتحاول كتم ضحكاتها من تلك الكلمات غريبة النطق، ولكن لاحظت هالة أنه يقول جملة غريبة ويعيدها كثيرا لتكتب الجملة ولا ألف مرة ثم يقول جملة أخرى ويطلب كتابتها ولا ألف مرة وهكذا، وعندما انتهى دوام العمل أخبرته هالة أن عليهم استكمال الأمر غدا وقامت هالة بطباعة ذلك الجزء وأرادت حفظ تلك الأوراق في ملف، فأصر سام أخذ ذلك الجزء الذى كتبته هالة ومسك الأوراق، ولكن رفضت هالة هذا الأمر قائلة: إن سياسة المكتب تنص على استلام العمل كامل؛ وحاولت أخذ الاوراق منه، غضب سام وأصر على اخذ ذلك الجزء، ولكنه تراجع عن قراره واستسلم للأمر حين أخبرته هالة أنه إذا أخذ ذلك الجزء ستتوقف عن إكمال العمل.

وبعد أن رحل سام وضعت هالة تلك الأوراق في ملف ثم قالت لما تلك الأوراق حرارتها عالية ثم أخذت ذلك الملف وأخبرت إحدى الفتيات بالمكتب وتُدعى إيمان عن تلك المذكرات، وكانت إيمان فتاة في بداية العشرينات طويلة القامة عيونها بنية وترتدي حجاب، وظلت هالة تضحك وهى تقرأ تلك الكلمات وتقول أي لغة هذه ولكن لم تشعر إيمان بالارتياح مما سمعت وقالت: ما هذه الكلمات الغريبة؟ ونصحت هالة بالبحث الالكتروني عن تلك الكلمات؛ وردت هالة: لا يهمني الأمر، إنه مجرد شيئا مضحك والمهم بالنهاية أن أحصل على المال.

 

وفى اليوم التالي جاء سام إلى المكتب في الصباح الباكر وكأنه كان منتظر افتتاح المكتب وعندما جاءت هالة أخبرها أن عليها إنهاء تلك المذاكرات في أسرع وقت وقبل أن يبدأ بسرد المذكرات أكد عليها مرة أخرى عدم نطق الجمل خلفه وبدأ بنطق الكلمات الغريبة وبدأت تعمل هالة بدون توقف وبعد مرور أربع ساعات أخبرته أن الآن وقت الاستراحة ويجب تناول الطعام والشراب وسألته ماذا يريد ان يأكل لأنه بالتأكيد متعب بعد أن ظل أربع ساعات متواصلة ينطق كلمات غريبة بدون توقف، فأخبرها أنه سيخرج عشر دقائق وسيعود لاستكمال العمل وعندما عاد وأخبرته هالة أنها طلبت إليه كأسا من العصير فغضب سام وقال: ألم أقل لكي أنى لا أريد شيء؟ ولاحظت هالة أن سواد عيونه زاد وكأن بياض عيونه اختفى، وبعد أن هدأ عادت عيونه كما كانت، شعرت هالة بشعور غريب ولكن لم تستطع تحديد حقيقة هذا الشعور، وبعد الانتهاء من دوام العمل اقتربت منه هالة ونظرت إلى عيونه وفجأة أحست بحرارة عندما اقتربت منه فابتعد عنها سام وأخبرها قبل أن يرحل أن غدا سيتم انتهاء الأمر وسيتم دفع كافة المستحقات.

نسيت هالة شعورها الغريب وفكرت في ما الذى ستفعله بتلك الاموال ثم أخذت الجزء الثاني وأرادت أن تقرئه إلى إيمان ولكن رفضت ايمان ذلك وقالت لها..

- هالة، أشعر بأن هذه ليست لغة كما تظنين.

- ماذا تقصدين يا إيمان؟

- ألا تشكين بالأمر إذا كانت لغة أجنبية لماذا لا يكتبها بالأجنبية؟ 

- ربما في بلادهم يريدون تعليم اللغة العربية بطريقة سهلة فيكتبون كلامهم باللغة العربية ليتعلمو الحروف.

- وهل ذلك الرجل أخبرك أي لغة هذه أو أي دولة؟

- لا لم يخبرني كما أني لم أسأل لأني شعرت أنه لا يريد أن يقول أكثر مما يقول، إنه غامض بعض الشيء، ولكن لمَ كل هذا القلق يا إيمان؟

- لأني.. لأني أشعر إنها.. لا تشغلي بالك بالأمر ولكن عليكِ أن تسأليه أي لغة هذه؟

- لا أظن أن هذا يهم، في الغد سينتهى كل شيء.

- حسنا، ولكن عليكِ إعادة تلك الأوراق ولا تقرئينها، وأشعر أن هذا افضل.

- يا لكي من جبانة ولكني لست مثلك إنها كلمات مضحكة، فأنتِ لا تتخيلين كم أحاول كتم ضحكاتي أثناء كتابتي تلك الكلمات ولكني شجاعة وسأقرأها بمفردي.

ثم رحلت إيمان وبقيت هالة بالمكتب تقرأ وتضحك وبما أنها أخر من ظل بالمكتب، كانت المسؤولة عن إغلاق المكتب كما هي سياسة الإدارة.

 

في اليوم التالي جاء سام ولاحظ نظرات هالة إليه التي توحي بالتردد، فسألها ما الأمر؟

قالت له: بكل صدق أريد أن أسال عن حقيقة تلك اللغة ومن أي دولة؟

ثم رأت هالة اتساع سواد عيونه مرة أخرى وهو يقول بصوت وكأن لهذا الصوت صدى: هذا ليس من شأنك؟

ارتعبت هالة من ذلك وحاولت تمالك أعصابها وتغيرت ملامح وجهها إلى الجدية وبدأت بكتابة باقي المذكرات دون توقف ولم تأخذ استراحة لتنتهي من هذا سريعا، وبعد مرور ست ساعات دخلت إيمان إلى المكتب وقاطعت إيمان حديثهم وأحضرت معها طبق به بعض الكيك والعصير، وقالت: يبدو أنكما لم تشعرا بمرور الوقت وعليكم بتناول الطعام ثم رحلت، ولكن لم تنظر هالة إلى الطعام والشراب وتركتهم بجانبها، وشعرت بارتياح عند كتابتها لأخر كلمة في المذكرات عندما قال سام الآن انتهينا والآن احضري إلي الجزئيين السابقين، فنهضت هالة من مقعدها وذهبت باتجاه مكتب به رفوف وأخرجت ملف مكتوب عليه سام من الخارج ووضعته على المكتب فانجرف كوب العصير وانسكب على الجزء الثالث من الورق وعلى مصدر التيار للجهاز الإلكتروني وفُصل الجهاز الإلكتروني، غضب سام وشعرت هالة وكأنها داخل فرن أو أن هناك حريق بالغرفة ونظرت إلى عيون سام ورأته وكأنه وحش وليس بشر.

- وبعد لحظات قال سام: اطبعي نسخة أخرى بدل هذه.

- فردت هالة: لحظة سأعيد تشغيل الجهاز الإلكتروني.

- وعندما قامت بتشغيله قالت: يا للمصيبة، يبدو أني لم أحفظ الملف.

- قال لها: ماذا يعني ذلك؟

- قالت: سأقوم بكتابته مرة أخرى.

- فقال لها: حسنا، سأعود في الغد صباحا لأستلم الأجزاء كاملة وعليكِ أن تسهري طوال الليل لكتابة ذلك الجزء.

- صاحت هالة قائلة: لا يمكنني فعل هذا، لقد بقيت ثمان ساعات متواصلة من الكتابة ولن أستطيع أن أبقى ثمان ساعات أخرى، ولكني سأنهي ذلك الجزء في الغد، يمكنك أن تأتي وقت انتهاء الدوام وستأخذ الأجزاء كاملة.

فلم يجد سام غير أن يوافق على هذا الكلام، وأمسكت هالة تلك الأوراق المسكوب عليها العصير وظلت تقرأها وتضحك. 

 

وفى اليوم التالي استلم سام جميع الاجزاء، وعندما أمسك الأوراق شعرت هالة بزلزال بالمكان وجميع الأشياء تهتز ووقعت على الأرض فاقدة للوعي عندما اصطدمت أثناء الاهتزاز، وعندما أفاقت وجدت نفسها بمفردها بالغرفة وقالت: يبدو أن سام رحل إنه أسوء عميل على الإطلاق، ولكن من الجيد أنني انتهيت من هذا.

- وخرجت من مكتبها وقالت لإيمان: منذ مدة طويلة لم يحدث زلزال.

- فقالت إيمان بتعجب: أي زلزال؟

- ردت هالة: زلزال قوي هز كل سيء بمكتبي. 

أكدت إيمان ليس هناك أي زلزال، وعندما سألت هالة باقي الفتيات أكدوا لها أنه لم يكن هناك أي زلزال..

- فقالت هالة: اقسم لكم إنه كان هناك زلزال!

- فقالت مديحة: ربما غفوتي وكنتِ تحلمين.

واستسلمت هالة لكلام مديحة بالنهاية مع إنها تردد في داخلها: لا لم يكن حلما..

 

ذهب سام إلى منزل مهجور وأمسك تلك الأوراق وقسمها بعناية إلى أربع أجزاء، ووضع جزء على كامل جسده وهو يُلقي بعض الكلمات الغريبة، وأمسك بالجزء الثاني وأشعل به النار، وأمسك بالجزء الثالث ووضعه بالماء إلى أن اختفت تلك الكلمات من الأوراق وتحولت الماء إلى دماء، والجزء الرابع طبقه وقام بدفنه في أرض ذلك المنزل المهجور، ورش تلك الدماء على الأرض المدفون أسفلها الجزء الرابع وهو ينطق ببعض الكلمات.

وبعد لحظات قال: ما هذا؟ لماذا لم أتحرر بعد؟

لعنة الرجل الغامض ج٢

بقلم: أمنية نبيل

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author