لولا حزني المتساقطُ من أطراف ليلتي

لئن شعرتُ الآن بالشفقة على نفسي، فذلك لأن حزني الذي يأخذ وضعية الشبحيّة في داخلي قد نهش كل شيء بلا استثناء، كل شيء حتى خلاصي! إنه يجعلني أتهالك في وقتٍ مبكرٍ من عمري، وأخسر القيمة المعنوية لكل شيء، ولا ينفك أن يَحُل رباطة جأشي، ويا للمفاجأة، كلّ الذي عبرني فيما سبق ليس شيئًا يُذكر إزاء ليلة البارحة، ليس شيئًا يُذكر أبدًا إذ كان الحزن أكبر حتى من كل انفعالات البكاء، لقد تجاوز طاقتي وقدرتي وكتاباتي.

ليلتي البارحة كانت شديدة السواد، شديدة التعاسة، لقد بتُّ في أمسّ الحاجة للخفوت والاختفاء.. العالمُ كلّه تَبَرَّم لي، أذكر أن بصري ارتفع إلى السماء وهلةً ثم شعرتُ بشفاهي تنطق: لم أدخر وسعًا..!
بكلّ حواسي أناجيك أن تخرجني من بين جدران هذي البعثرة. تهتّكت روحي فاجذبها إليك أو سُلّ جزئًا سحيقًا منها كاد يبعزقُ جانحات جوفي ويُردي بي كعبيثةٍ مستباحةٍ تحت وطأة كلّ غادٍ ورائحٍ يجددُ موتي الذي تكرّر سبعين مرةً إن كنت أحسن العد.

يؤسفني أن أذكر أنه قد تعاقبت علي دوافع هذه الحال على مر سنوات اشتبكتُ فيها شيئًا فشيئًا إلى أن تحولتُ إلى دوامةٍ لا أكاد أستطيع الخلاص منها. وأنا في واقع الأمر لم أرِد إلا  أن أتوقف عن تبرير حالتي لنفسي وكأني في محاكمة، ولهذا كان لابُد علي أن أمتهن عدم الاكتراث، إن ما يرهقني حقًا هو أنني الآن وبعد أن مرّ كلُّ هذا الوقت الفارع على حزني، ما زلت أشعر بأثره البشع في خاطري وأرى رواسبَه المشوّهةَ في سلوكي، إنه لا ينتهي بل ويزداد تشبثًا وإصرارًا على أن يشقيني، ولا يترك مجالًا للهدوء في داخلي، لا يمكن لبشر أن يحمل كل هذا القدر من التعاسة ثم لا يموت، إنها نهاية منطقية جدًا.. أما الآن وقد أصبحت احتمالات النجاة شبه معدومة، ما كان علي أبدًا أن أتظاهر باللامبالاة في أول مرة جثم فيها الحزن في صدري، كان علي أن أبكي منذ زمن بعيد جدًا، أظنها كانت ستكون على الأقل محاولة لا بأس بها لتخفيف مأساتي، ولو لم تكن مجدية حتى، كانت ستكون عربونًا للصفح عن ذاتي.

على أية حال، ليس في الأمر شيء.. لا عليك، كنتُ أتأكد من أن قدرتي على الكتابة لم تشلّ بعد.

رزان رواشدة 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٤ ص - عبد الفتاح الطيب
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٨ ص - jimina
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٥ ص - شهد بركات
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Amani
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٠٨ م - soha
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٠٠ ص - Zm23138244
About Author

لا الدنيا أقبلت إليّ ولا الزمانُ أدبر