هل تعلم أن هناك أشخاص على مستوى العالم يريدون إلحاق الأذى بأنفسهم وبتر جزء من جسدهم السليم! نعم هذا صحيح، فهؤلاء الأشخاص مصابون بمتلازمة نادرة تُدعى "متلازمة نزاهة الهوية الجسدية" أو ما تُسمى Body Integrity Identity Disordre، ويختصرها الأطباء BIID، ويشعر الشخص المصاب بها بالوحدة، والخزي، وأن العالم غير قادر على فهمه… إلخ، ولكن! ما أعراض هذه المتلازمة، وأسبابها، وهل حقًا يوجد لها علاج؟ هذا ما سنعرفه جميعًا في هذا المقال، فتابعوا معنا.
متلازمة نزاهة الهوية الجسدية
يرغب بعض الأشخاص في بتر أحد أطرافهم السليمة؛ لأنهم يشعرون أنها لا تنتمي إلى بقية جسدهم، وأثبتت العديد من الدراسات أن هذا الشعور ما هو إلا انعكاس لما يقوم المخ بتصويره له، حيث يكون مرتبطًا بالتواصل بين مناطق المخ وبنية الدماغ، وأثبت الباحثون والأطباء أن المرضى المصابين بمتلازمة نزاهة الهوية الجسدية تزداد رغبتهم في بتر أطرافهم السليمة كلما زاد تقلص الكتلة الرمادية الموجودة في الفص الجداري الأيمن.
تاريخ هذا الاضطراب
تم وصف متلازمة نزاهة الهوية الجسدية عام 1977م أول مرة، وذلك عن طريق جون موني (Jean Money) الباحث في علم الجنس وعلم النفس، وسماها حينئذ أبوتيمنوفيليا (Apotemnophilia) والتي تعني "حب البتر" باللغة الإغريقية، وأوضح جون أن كل مريض مصاب بمتلازمة سلامة الهوية الجسدية ينجذب جنسيًا إلى كل شخص لديه إعاقة في جسده، كالشلل، أو البتر، أو ذات الأطراف الصناعية؛ لذلك عُرفت بأنها نوع من الانحراف الجنسي، والتي تُسمى "Paraphilia".
دراسة ريتشارد برونو وتصنيفه لمرضى هذا الاضطراب
درس الطبيب المختص في الأمراض النفسية والجسدية الذي يُدعى ريشارد برونو متلازمة نزاهة الهوية الجسدية عام 1997م، وقسم المرضى المصابين بهذا الاضطراب إلى ثلاثة أنواع، ألا وهم:
-
أشخاص يريدون بتر أطرافهم رغبة بالإعاقة الجسدية، ولا ترتبط تلك الرغبات بهواماتهم الجنسية.
-
مرضى يُثارون جنسيًا عندما يرون جسدًا مشلولًا أو مبتورًا؛ مما يجعلهم يرغبون بالظهور مثلهم بهذا الشكل المعاق.
-
أشخاص يريدون الحصول على انتباه الآخرين؛ مما يجعلهم يتظاهرون بحدوث إعاقة في جسدهم، مثل: استخدام كرسي متحرك على سبيل المثال.
ما هي قصة متلازمة BIID
اضطر جراح فرنسية في نهاية القرن الثامن عشر ببتر طرف سليم لرجل بعدما هدده بالسلاح، وبعد انتهاء الجراحة، قام الرجل بإرسال خطاب شكر للجراح، مرفق معه مبلغ من المال؛ لأنه شعر بالتحسن الشديد بعد إجراء هذه الجراحة.
قام روبرت سميث (الجراح الاسكتلندي) عام 2000م، ببتر ساق لمريضين، وكانت الساق سليمة تمامًا، وما إن علم الرئيس التنفيذي للمشفى حتى منعه من إجراء هذا النوع من العمليات.
أسباب متلازمة نزاهة الهوية الجسدية
لم يُعرف السبب الرئيس لهذه المتلازمة حتى الآن، ولكن هناك العديد من الافتراضات والنظريات التي وُضِعت على أسس عصبية ونفسية مختلفة، فمنهم من يشير إلى أن الطفل طوال مرحلة الطفولة يتميز بعمق عن طريق إنسان أطرافه مبتورة، فيتبنى هذه الصورة، ويجعلها نموذج مثالي وأصلي للجسم.
وهناك نظرية عصبية حيوية تشير إلى أنه يرجع سبب الإصابة بمتلازمة نزاهة الهوية الجسدية إلى وجود شذوذ أو إصابة في القشرة الدماغية التي ترتبط بالأطراف، وإذا كانت هذه النظرية صحيحة، فمن المحتمل أن يظهر هذا الاضطراب بعد الانسداد، أو الانصباب في الفص الجداري الأيمن.
وهناك نظرية نفسية مختلفة تشير إلى أن الإنسان يُصاب بهذه المتلازمة عندما يشعر بنقص المودة والانتباه وأنه منبوذ من الجميع، ويعتقد أنه بذلك العمل (بتر أحد الأطراف) سيجذب نظر الآخرين إليه، وسيحصل على الاهتمام الذي يريده.
ما هي أعراض هذا الاضطراب؟
هناك العديد من الأعراض لمرض متلازمة نزاهة الهوية الجسدية، ومن أشهر هذه الأعراض ما يلي:
الأعراض السلوكية
يعاني مرضى متلازمة نزاهة الهوية الجسدية باضطرابات عديدة في سلوكياتهم، فستلاحظ أنهم يريدون بتر ساقهم، أو إصابة وإطلاق النار على أنفسهم بهدف إحداث إعاهة لهم، فيضطر الطبيب ببتر الطرف المصاب، كما أن هناك بعض المرضى الذين حاولوا بتر أطرافهم بأنفسهم؛ لتحرير جسده من هذا الجزء، وأُثبِت علميًّا أن أكثر المرضى يريدون بتر إحدى اليدين، أو الجزء العلوي من ركبة ساقهم اليسرى.
الأعراض العاطفية والمعرفية
يختلف الأشخاص المصابون باضطراب سلامة الهوية الجسدية في طريقة تفكيرهم، ويفكرون ويتصرفون بطريقة محددة تميزهم، وتظهر هذه الأعراض عن طريق الأفكار غير المنطقية المتطفلة والمتكررة التي تسيطر على عقل المريض، فيشعر فيها بعدم التعرف على جزء محدد من جسده، أو لا يكتمل جسده كما هو، وإنما ببتر هذا الجزء، وبسبب شدة هذه الهواجس والأفكار، يشعر المريض بمزاج سيء وقلق مستمرين، كما يشعرون الوحدة الشديدة، الخزي، وسوء فهم احتياجاتهم والتي سرعان ما تختفي كل هذه الأعراض بعد تلبية رغباتهم، وبتر الجزء الذي أرادوا بتره.
علاج متلازمة نزاهة الهوية الجسدية
هناك العديد من العلاجات لمتلازمة نزاهة الهوية الجسدية، ولكن جميعها غير موافق عليها تمامًا، ومن أشهر هذه العلاجات ما يلي:
العلاج السلوكي
نظرًا لأن أعراض اضطراب نزاهة الهوية الجسدية معرفية في المقام الأول، فقد يكون العلاج السلوكي المعرفي مفيد بشكل خاص مع مرضى هذا الاضطراب، ومع ذلك فإن أفكارهم متأصلة بعمق؛ مما يصعب على الطبيب حل هذه المشكلة بالعلاج النفسي فقط.
العلاج النفسي
هناك حالات يختار فيها المريض اتباع العلاج النفسي عن طريق التوقف عن التفكير، أو تقنية الوقاية من الاستجابة، وأثبت أن هذا العلاج فعال أكبر، الهدف من كل هذه العلاجات هو أن يقبل المريض الذي يعاني من متلازمة نزاهة الهوية الجسدية جسده كما هو، ويقضي على الرغبة في بتر جزء من جسده.
موافقة المريض فيما يقوله
وهناك من يقول أن الطريقة الوحيدة لعلاج هذا الاضراب هي تحقيق ما يطمح إليه المريض، وبتر الطرف الذي يريد بتره، ولكن دار بين هذه الطريقة جدلًا في مجال الطب النفسي، فمنهم من يعتبر الشخص المصاب مريضًا نفسيًا لا يستطيع أخذ قرار يمكنه أن يكون سببًا في إعاقته، ومنهم من يقول أنه مسئول تمامًا ومستقل في قراره.
العلاج الهرموني
يعد العلاج الهرموني من العلاجات الطبية التي تُستخدم في علاج هذا الاضطراب، وهو يشبه تمامًا العلاج بالهرمونات المحفزة لصفات الذكورة، والأنوثة.
الجراحة
يشبه جراحة الذكورة والتأنيث، فيقوم الطبيب بتغيير شكل الصدر، ملامح الوجه، الأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية، شكل الثديين، ونحت الجسم؛ ليرضى المريض جزئيًا عن جسده.
ولكن هناك العديد من التجارب التي أثبتت أن المريض بهذا الاضطراب يشعر بالرضى التام بعدما يُبتر جزء من جسده، ولا يشعر بمثقال ذرة من ندم حتى مع كل الصعوبات التي تظهر لهم؛ نتيجة الإعاقة بعد العملية.
وفي الختام… عزيزي القارئ بعد أن علمت ما هي متلازمة نزاهة الهوية الجسدية، وأسبابها، وأعراضها وعلاجها، ومتى بدأ تاريخ هذا الاضطراب، وما هي قصته، ينبغي عليك أن تستشير الطبيب إذا كنت تعاني من تلك الأعراض الموجودة سابقًا في هذا المقال، ولا تفكر في البتر مطلقًا، وأن يكون هو آخر ما تفكر به، وإذا رأيت شخص مصاب بهذا الاضطراب، فقم بالاهتمام به.
You must be logged in to post a comment.