تختلف النظرة الإسلامية للإرهاب مقارنا بمن تعرضوا لهذا الموضوع من قبل, حيث أن مفهوم الإرهاب فى التشريع الإسلامى موجود بكل وضوح منذ الأيام الأولى لنزول الوحى, فلا إرهاب من مسلم لمسلم - فردا كان أو جماعة - وإنما الإرهاب لأعداء المسلمين فحسب.
كما أن الإسلام لا يعترف إلا بالأدوات البناءة كوسائل للإرهاب, أما الأدوات الهدامة فلا يعترف بها كوسائل للإرهاب, بل يسميها بأسمائها الحقيقية, ويحرمها ويجرمها, ويضع العقوبات الكفيلة بقطع دابرها.
والإسلام يعتبر أن الإرهاب بالأدوات البناءة فريضة على جماعة المسلمين, وينبغى عليهم امتلاك أدواتها المادية والمعنوية, لإخافة أعدائهم, ومنعهم من إيذائهم, أو الحيلولة بينهم وبين تعريفهم للناس بدينهم, ونشر هديه وتعاليمه بين العالمين.
إن على المسلمين امتلاك القوة وحسن استعمالها, والله سبحانه وتعالى يتولى إلقاء الرعب والخوف فى قلوب أعدائهم, حيث يقول تعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال: 12), (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) (الحشر: 2).
وعلى ذلك فتعريف الإرهاب فى المفهوم الإسلامى هو إفزاع الأعداء, وتخويفهم, وإلقاء الرعب فى قلوبهم, بسبب امتلاك أدوات التقدم والتفوق المادى والمعنوى, مما يساعد على عرض المبادىء, ونشر الأفكار, دون تصد لأصحابها أو الاعتداء عليهم.
ولقد ذكر القرآن الكريم مصطلح "الرهبة" ومشتقاته ثمانى مرات، مرة واحدة منهم استعملت بمعنى إخافة عدو الله وعدو المؤمنين خلال "الجهاد"، وذلك فى قوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).
أما فى الآيات السبع الأخرى فقد استعملت كلمة "الرهبة" من أجل الدعوة إلى مخافة الله فحسب، وذلك على النحو التالى:
1- (قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: 116).
2- (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (الأعراف: 154).
3- (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة: 40).
4- (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ) (النحل: 51).
5- (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (القصص: 32).
6- (لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13).
7- (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء: 90).
الإرهاب المرفوض فى الإسلام:
استخدام أدوات الإرهاب الهدامة والتخريبية مرفوض فى الإسلام, حيث أن هذا ليس من أهداف الإسلام القريبة أو البعيدة, وهى محرمة على مستوى الفرد والجماعة والأمة.
ولأنها صور وأدوات ضارة, فهى فى نظر الإسلام محرمة, ولقد وضعت لها الشريعة العقوبات المناسبة التى تكفل التطبيق السليم الأمين لها, ليقطع دابر هذه الصور والأدوات والوسائل الهدامة من المجتمع المسلم, بل المجتمع البشرى كله, ومن هذه الوسائل والأدوات المرفوضة من وجهة النظر الإسلامية: (البغى - العدوان - الظلم - الطغيان - الخيانة - الغدر - القتل - السرقة - الحرابة) هذا إلى جانب جميع الصور والوسائل والأدوات الهدامة التى تشيع الخوف فى المجتمع وترهب الآمنين فيه, وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة, والتى تعوقهم عن حسن خلافتهم فى الأرض, وحسن عبادتهم لله سبحانه وتعالى, وإتقانهم لعمارة الكون.
بل يذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك فى تأمين الناس, وطمأنتهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم, صيانة لحقوقهم, وجلبا لراحتهم, وذلك حينما يحرم ترويع المسلم وإخافته, وإن كان ذلك على سبيل المزاح, لما فيه من الإيذاء, فقد روى عن عامر بن ربيعة - رضى الله عنه - أن رجلا أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم) رواه الطبرانى.
بل الوعيد الصريح والتهديد الواضح لمن أخاف المؤمن وفزعه, فعن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخاف مؤمنا كان حقا على الله أن لا يؤمّنه من الفزع يوم القيامة).
كما فى حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه, وإن كان أخاه لأبيه وأمه) رواه مسلم.
الإرهاب المفروض فى الإسلام:
وإذا كان الإسلام يرفض الإرهاب فى صوره المدمرة وأساليبه الهدامة, فلا يعنى هذا أنه يريد لأتباعه أن يعيشوا فى ضعف وخضوع وتبعية ومذلة, فى عالم تشيع فيه هذه الصور التى يحرمها, وإنما يريد الإسلام لأتباعه أن يكونوا على القمة فى كل شىء يعلى قدرهم, ويساعدهم على تحقيق رسالتهم.
ويطالب الإسلام أتباعه امتلاك كل ما يعينهم على تأمينهم فى نشر رسالتهم وتبليغها للعاملين, وذلك بامتلاك القوة التى تجعلهم مرهوبى الجانب أمام أعداء رسالتهم والمحاربين لنشرها.
ومن هنا فإن امتلاك المسلمين للأدوات التى تحقق لهم ذلك يكون مفروضا عليهم, وكذلك فإن إرهاب أعداء الأمة وأعداء الإسلام يكون مفروضا عليهم.
وكذلك فإنه لا إرهاب من مسلم لمسلم، فردا كان أو جماعة، كما أن الإسلام لا يعترف إلا بالأدوات البناءة كوسائل للإرهاب، أما الأدوات الهدامة فلا يعترف بها، بل يحرمها ويجرمها، ويضع العقوبات الكفيلة بقطع دابرها.
أى أن على المسلمين فريضة امتلاك الأدوات المادية والمعنوية لإخافة الأعداء، ومنعهم من إيذائهم.
وعلى ذلك يمكن تعريف الإرهاب المفروض فى الإسلام بأنه: (هو إفزاع الأعداء وتخويفهم، وإلقاء الرعب فى قلوبهم، بسبب امتلاك أدوات التقدم والتفوق المادى والمعنوى، دون اعتداء عليهم).
You must be logged in to post a comment.