هالوين عيد القديسين- الجزء الثاني
هذا اليوم ألجم الطقس الرياح قليلا, مما أتاح لورق الشجر أن يتباهى بحركات إرادية متمايلة, مستقبلا رذاذ المطر بذبذبة محببة. أما الورقات الصفراء تلاعبت على الأرصفة بحزن بهي ذهبي اللون. اختارت وردة ذات الشعر الأحمر البقاء في المنزل حتى تنهي بحثها لأحد المواد في الجامعة, فهي ليست مضطرة للذهاب لحضور محاضرة واحدة في هذا الجدول الدراسي المزدحم لا سيما إن كانت محاضرة التاريخ التي كانت تجدها ثقيلة الظل. دعت صفصاف لاحتساء مشروبا ساخنا قبل محاضرتها التي تبدأ الساعة الثانية عشر ظهرا. في الحقيقة أرادت وردة إجراء حديث سريع ممتع مع ابنة عمها صفصاف عن الليلة التي سيقضونها جميعا في نزل السكانيتي المخيف -كما يدّعي أهل البلدة- و كانت متحمسة لذلك كثيرا و على ما يبدو أكثر من حماسها تجاه إنهاء بحثها و الذي من أجله تغيبت عن محاضرة!
صخر ذهب للجامعة ساخرا من نفسه, يطللق ضحكة كل فينة لأنه سمح لحدث "ليلة الهالوين" بالتأثير على حسه المنطقي, حدث نفسه قائلا: " آه, كيف ظننت أن البخور مشتعلا من نفسه أو من ... آه كفاك بلاهة: اتضح أن جدتي أحرقت بعضا منه قبل نومها إلا أن دواء السعال جعلها تغط في نوم عميق... لقد سمحت للهواجس و الخيالات أن تعبث بعقلي و ما إن نهضت جدتي علي و أنا أرتجف أمامها و أتحشرج بنداء اسمها أثناء محاولتي لإيقاظها إلا و أن بدأت هي أيضا بالهلع و الذكر... مدد يا الله مدد.
من نافذة المطبخ المطل على حديقة المنزل تصاعدت رائحة البن و الذي يبدو مصنوعا بعناية على الطريقة التركية, طرقت صفصاف باب بيت عمها ثلاثا حتى فتحت وردة لها الباب مستهلة بالأحاديث: آه يا وردة, لن تحزري ماذا حضرت لك, إن جارتنا أم جليل... قاطعتها صفصاف: تلك المرأة الغامضة؟ أكملت وردة: ذاتها, إنها تبصر في الفنجان لأمي و شارعتا بالضحك. لكن قرائنا العزاء, صارحوا أنقسكم قليلا" كم من مرة تظاهرتم بالسخرية من شيء ما حتى لا تبدوا ساذجين لكنكم كنتم في أعماقكم تصدقون هذا الشيء أو تأخذونه على محمل الجد؟
بتمنع سألت صفصافة الحمراء قائلة: و لذك تعدين البن التركي لنا على غير العادة؟ أحابت وردة: نعم أرغب بالتجربة كثيرا لنفعلها صفصافتي هيا! صفصافة وافقت و احتست فنجانا من تلك القهوة التي لم تعتاد عليها من قبل, و قبل أن تهم أم جليل بالرحيل من المنزل جذبتها وردة من ذراعها سائلة لها أن تبصّر لهن بالفنجان, ابتسمت الجارة و سألت من الأولى؟ و قالت صفصاف فلنبدأ بي إذا قبل ذهابي للجامعة, و بحركة احترافية قلبت المرأة فنجناها و حدثتها عن ثلاثة إشارات سنجد أن واحدة منهن لن تتحقق. كما لم يكن نصيب وردة من القراءة أفضل حالا, بل لمحت لها الخالة من خلال التبصير بضرورة التركيز على الدراسة بطريقة غير مباشرة و خبرتها أن تتفائل عند رؤية طائر أخضر لأنه سيوحي بفألا حسنا حينذاك و عن خبر جيد من بلاد أخرى ستسمعه قريبا. أحست الفتاتان أن أم جليل كانت تجاريهما و تأخذهما على قدر عمرهما أو ربما أن أم جليل أصلا لا تفعل ذلك إلا للتسلية مع صديقاتها في جلسات القهوة.
سارة رحبت بصفاصفة سريعا و بهدوئها المعتاد قبل أن تغادر, إنها الأخت التوأم لوردة! نفس الأشكال و لكن يسهل تمييزهما لاختلاف الطباع. مع تغيير واحد بسيط: أن سارة - و قلما يحدث هذا لأنه تابعا لمزاجها- تستطيع أن تتظاهر بأنها وردة في صفاتها, و تستخدم هذه الميزة عندما تريد أن تحمي وردة أو عندما تريد أن تغيظها. خرجت صفصافة مستعجلة مودعة بنات عمها التوأم و صديقتيها المقربتين. لاحظت وردة أن أختها شاردة الذهن و سألتها ما بالها, أجابت الأخرى أنها رأت طيرا أخضرا لأول مرة على نافذة غرفة نومها!
You must be logged in to post a comment.