هل سبق لك وأن سمعت أحداً ما يرفض التطور زاعماً بأنه مجرد نظرية؟ إن هذا الرأي متداول حتى في الولايات المتحدة عند الكثير ممن يقبلون التطور، حيث يتم الاعتقاد بأن التطور هو "مجرد نظرية"، كما لو أنه يفتقر إلى الدعم العلمي. بينما يعتقد آخرون بأنه إذا كان التطور هو مجرد نظرية فإن النطريات الأخرى (مثل الخلقية أو التصميم الذكي) ينبغي تدريسها جنباً إلى جنب مع منهاج التطور في المدارس العامة، فهي مجرد نظريات على حد سواء. ولذلك شعرت بعض مجالس إدارة المدارس في بعض الولايات المتحدة بضغوظ القيام بذلك فعلاً. وعندما فشلت كل هذه المساعي، حاول بعض خصوم التطور إقناع معلمي البيولوجيا تعليم طلابهم بأن التطور مجرد نظرية فقط.
ومن أبرز المحاولات التي بُذلت مؤخراً من أجل رفض التطور واعتباره مجرد نظرية، هي قيام إدارة المدارس في مقاطعة كوب - إحدى المقاطعات في ولاية جورجيا - بوضع ملصقات على كتب البيولوجيا المدرسة للصفوف الثانية، جاء فيها :
(هذا الكتاب يتضمن مواد عن التطور، التطور مجرد نظرية، وليس حقيقة تتعلق بأصل الكائنات الحية. لذلك يجب التعامل مع هذه المواد بعقلية منفتحة، ودراستها ونقدها بعناية).
ملصقات جذابة، فلا يمكن لأحد التشكيك في ضرورة دراسة جميع الأعمال العلمية بعناية، ونقدها بعناية أيضاً، فضلاً عن العقلية المنفتحة التي تعتبر هي الأخرى ميزة إضافية، ولكن ليس لدرجة تؤدي إلى فساد العقول، الأمر الذي حدث بالضبط في مقاطعة كوب.
إن المشكلة الرئيسية مع فكرة التنصُّل من الكتب المدرسة تتعلق بالفهم الخاطئ لكلمة النظرية Theory، والتي تمتلك معنيين مختلفين، فالنظرية في الخطاب العامي تعني الحدس أو التخمين الذي من الممكن أن يكون بنفس القدر مع باقي التخمينات الأخرى، مثلما يخمن أحدهم بأن الضوء السابح الذي يشق السماء ليلاً ينبغي أن يكون آتياً من سفينة فضائية. ولكن عندما يستخدم العلماء كلمة "نظرية" فهم يشيرون إلى "التفسير المدعوم جيداً لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الحقائق عن العالم الطبيعي". لذلك لا تعتبر النظريات مجرد تخمينات فقط.
وعلى الرغم من أن التخصصات العلمية لا تستخدم جميعها طرقاً مماثلة، إلا أنها تتبع منهجاً مشتركاً. ففي بادئ الأمر سيقوم العلماء برصد ظاهرة أو آلية معينة (مثل الحركة التراجعية للمريخ التي تظهره متحركاً عبر السماء في اتجاه عكسي لمساره المعتاد كل 26 شهراً تقريباً، أو الارتفاع في معدلات الإصابة بمرض الكوليرا في البلدان الفقيرة، أو التنوع الهائل للأنواع على سطح الأرض، وما إلى ذلك). ومن ثم يطرحون بعض التساؤلات حول كيفية عمل هذه الظاهرة أو الآلية والطريقةا التي تكونت بها. وبعدها يحاولون الإجابة عن هذه التساؤلات بشكل تخميني مدروس يُعرف بالفرضية Hypothesis.
وتُختبر هذه الفرضية عن طريق إجراء بعض التوقعات (التنبؤات العلمية) ومن ثم النظر فيما إذا كانت نتائج أي تجربة أو عملية رصد إضافية قد تلاءمت مع هذه التوقعات. فإذا كانت النتائج غير متلائمة فإن هذه الفرضية إما يتم استبعادها، أو تعديلها واختبارها مرة أخرى. وإذا تلاءمت أخيراً مع التوقعات، فسيقوم العلماء بمشاركة هذه المعلومات ليتم الاطلاع عليها واختبارها من قبل علماء آخيرن. ولا يمكن النظر إلى هذه الفرضية بكونها نظرية علمية إلا بعدما تمثل الحقائق والملاحظات المرصودة بصورة متكررة.
ومع ذلك لا تبقى النظريات العلمية راسخة دوماً، فمن الممكن أن يتم التعديل عليها باستمرار، بل ويتم الإطاحة ببعضها بشكل تام - كما حدث مع نظرية مركزية الأرض ومع نظرية الفلوجيستون - عندما تتوفر أدلة قاطعة لذلك. أما بالنسبة لنظرية التطور فإن الأمر الذي يجعل منها نظرية قوية وفعالة بصفة خاصة هو وجود العديد من الأدلة الداعمة من مجالات وميادين علمية واسعة منها : علم البيولوجيا، وعلم الوراثة، وعلم البيئة، وعلم الحيوان، وعلم النبات، وعلم الجيولوجيا، وعلم الحفريات، وعلم الأجنة، وعلم الآثار.
You must be logged in to post a comment.