هل نستهلك عشر طاقاتنا الدماغية فعلاً؟

من منا لم تداعب حواسّه السمعية تلك المقولة (إن دماغك يعمل بعشر طاقته فقط)؟ هذا يعني أن هناك تسعين بالمئة من طاقة الدّماغ مهملة وأن عليك البدء في استغلالها أو البحث عن الطّرق المناسبة للشّروع في تلك المهمة العظيمة!! لكنك تبدو مشتّتاً ومأخوذاً بالقلق والحيرة إزاء ذلك : كيف يمكنني فعلها؟ هل هناك شيفرة سريّة مثلاً؟  أنت الآن في ملعب خبراء تسويق الأوهام .. عفواً أقصد خبراء التنمية البشرية الذين يعمدون إلى ترويج تلك الأكاذيب وبالتالي امتلاك حلول مناسبة تمنحك زيادة مجانيّة في قدرات دماغك!!!

 

وإذا كانت كتب تطوير الذّات والتنمية البشرية تعزّز هذا الوهم، فكيف إذا كان المؤلف هو ديل كارنيجي مثلاً صاحب الكتاب الأكثر مبيعاً عبر التاريخ؟ نعم ديل كارنيجي مؤلّف كتاب (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس)، فقد عزا في مقدّمة كتابه عام 1936 إلى ويليام جيمس – رائد الفلسفة البراغماتية - قوله بأن الناس يستخدمون عشرة بالمئة من أدمغتهم، ومن ذلك الوقت انتشرت هذه المقولة كالنّار في الهشيم وسارت بها الرّكبان من كل حدب وصوب.

 

ومما ساهم في ذيوع مثل هذه المقولة أيضاً هو تسمية "القشرة المخّية الخاملة" والذي يوحي بأنها مجرد كم مهمل لا تساهم في أي دور وظيفي، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك فهذه القشرة التي يطلق عليها العلماء اليوم اسم "قشرة الربط" تقوم بدور وظيفي هام في عمليات التفكير المجرد واللغة وأداء المهام الحركية.

 

بل إنه من سوء حظّنا كون هذه الخرافة تلقى من القبول أكثر مما تلقاه من النفي والرفض حتى في الأوساط العلمية، ففي إحدى الدّراسات التي أجراها العالمان هيجبي وكلاي عام 1998 طُرح سؤال على مجموعة من الطلبة الجامعيين حول النسبة المستغَلّة من قدرة المخّ وكانت ثُلث الإجابات هي 10%. ووفقاً لاستبيان أجراه العالمان هركيولانو وهوزيل عام 2002 أجاب 60% من خريجي الجامعات البرازيلية و6% من علماء الأعصاب بتأييد هذا الاعتقاد!!

 

ولكن العلماء اليوم يعرفون - بفضل الرسم التفصيلي للمخّ وتقنيات الرّنين المغناطيسي الوظيفي والتّصوير المقطعي – أنه لا يوجد ما يمكن تسميته بالمناطق الخاملة في الدّماغ، حتى تلك المناطق التي تتحلّل أو تتلف نتيجة إصابة دماغية أو ما شابه تقوم المناطق المجاورة لها باستعمارها لتحقيق أغراضها الخاصة، وهو ما ينفي احتمالية بقاء الأنسجة السّليمة غير المستغَلّة قيدَ الانتظار طويلاً إلى الوقت الذي يأتي فيه خبراء تطوير الذّات ومدرّبو التنمية البشرية ويقومون بتفعيلها!!!

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٥٤ ص - Salma karam
يناير ١٧, ٢٠٢٢, ٢:٢٢ ص - Bayan Adel
نوفمبر ١١, ٢٠٢١, ٧:٤٤ ص - Dena Shokry
أكتوبر ٦, ٢٠٢١, ٥:٤٩ ص - Mostafa
About Author